باب موانع الإرث
  ٦٠ - كُفْرٌ وَرِقٌّ مانِعٌ وَقَتْلُ ... لَا غَيْرَهَا فَاحْفَظْ عَدَاكَ الْجَهْلُ
  أَشَارَ النَّاظِمُ غَفَرَ اللَّهُ له إِلَى مَوَانِعِ الإرث، والمانع لغة: الدافع، واصطلاحا: ما يلزم من وجوده العدم، ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم، كالنجاسة والحدث الأكبر فإنه يلزم من وجودهما عدم الصلاة، ولا يلزم من عدمهما وجود الصلاة ولا عدمها، وكالكفر فإنه يلزم من وجوده عدم الإرث، ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم. والدليلُ على أن هذه الثلاثةَ المذكورةَ مانعةٌ من الإرث قولُه ÷: «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» أخرجه الشيخان وأصحاب السنن(١) من حديث أسامة، ولا خلاف في أن الكافر لا يرث المسلِمَ، والخلاف في المسلم هل يرث أهل الذمة، فذهب الناصر والإمامية إلى أن المسلم يرث الذمي. قلنا: تخصيص بلا مخصص، والكافر عام في جميع الملل، والمراد هنا بالكافر: الكافر الأصلي ليخرج المرتد، فإنه يرثه ورثته المسلمون. وقَالَ الشافعي: بل كل ما هو له يبقى موقوفًا على رجوعه سواء لحق بدار الحرب أو لم يلحق، فإن مات فيصير فيئًا للمصالح. لنا: ما أخرجه النسائي عن علي # أن المستورد العجلي لما ارتدَّ قَتَلَهُ(٢) وجَعَلَ مالَه لورثته من المسلمين. وقَالَ أبو حنيفة: إن ما اكتسبه المرتد قبل الردة فلورثته المسلمين، وبعدها يكون لبيت المال. لَنَا: ما تقدم عن عَلِيٍّ #، ولم يخص ما اكتسبه قبل الردة أو بعدها، ومثله(٣) عن عبد الله بن عمر وأبي بكر وعمر.
  والمانع الثاني: الرق وهو بالإجماع لأنه لا يَمْلِكُ. قلت: لا خلاف أن المملوك لا يرث ولا يورث، فأما من أُعْتِقَ بعد موت أبيه ولا وارث له سواه، فالظاهر أن المال له وهو الظاهر من كلام الهادي والإمام يحيى، ودليل ذلك ما روي أن عَليًّا # شرى مملوكًا ببعض تركسة أبيه [أي والد العبد] فأعتقه وسلم باقي التركة إليه. والله أعلم.
  الثالث: القتل، يعني قتلَ الوارثِ مُوَرِّثَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لا خلاف في منع القاتل من الإرث من الدية: سواء كان القتل عمدًا أم خطأ، ولا خلاف في منع القاتل من الإرث من المال والدية إذا كان القتل بغيًا، وإنما الخلاف هل يمنع من الإرث من المال إذا كان القتل خطًا؟ فعند أئمتنا لا يكون قتل الخطأ مانعًا من إرثه من المال، وقد فَصَّلَ قولهم النَّاظِمُ بقوله:
(١) البخاري ٦/ ٢٤٨٤ رقم ٦٣٨٣، ومسلم ٣/ ١٢٣٣ رقم ١٦١٤، وأبو داود ٢/ ١٤٠ رقم ٢٩٩، والترمذي ٤/ ٤٢٣ رقم ٢١٠٧، وابن ماجة ٢/ ٩١١ رقم ٢٧٢٩، وأحمد ٥/ ٢٠٠ رقم ٢١٧٩٥.
(٢) أي قتله أمير المؤمنين علي #؛ لارتداده إلى النصرانية. والله أعلم بصحة هذه الرواية.
(٣) أي مثل ما ورد عن الإمام علي #.