الباب الرابع مقتطفات مما وصفه ÷ به بعض أعدائ
  صدغيه الشيب وجاءكم بما جاءكم به قلتم: ساحر، لا والله ما هو بساحر؛ لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم، وقلتم كاهن، لا والله ما هو بكاهن؛ قد رأينا الكهنة وتخالجهم وسمعنا سجعهم، وقلتم شاعر، لا والله ما هو بشاعر؛ قد رأينا الشعر وسمعنا أصنافه كلها هزجه ورجزه، وقلتم مجنون لا والله ما هو بمجنون؛ لقد رأينا الجنون فما هو بخنقه ولا وسوسته ولا تخليطه يا معشر قريش فانظروا في شأنكم، فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم.
  وروى ابن عبد البر في (الاستيعاب) لما بلغ أكثم بن صيفي مخرج النبي ÷ فأراد أن يأتيه فأبى قومُهُ أن يدعوه، قالوا: أنت كبيرنا لم تكن لتخف إليه، قال: فليأت من يبلغه عني ويبلغني عنه، قال: فانتدب رجلان، فأتيا النبي ÷ فقالا: نحن رسل أكثم بن صيفي، وهو يسألك: من أنت؟! وما أنت؟! وبم جئت؟!، فقال النبي ÷: «أنا محمد بن عبد الله، وأنا عبد الله ورسوله»، ثم تلا عليهم هذه الآية: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ٩٠}[النحل] قال: فأتيا أكثم بن صيفي فقالا: أبي أن يرفع نسبه فسألنا عن نسبه فوجدناه زاكي النسب واسطاً في مضر، وقد رمى إلينا بكلمات قد حفظناهن، فلما سمعهن أكثم قال: أي قوم أراه يأمر بمكارم الأخلاق، وينهى عن ملائمها، فكونوا في هذا الأمر رؤوساً ولا تكونوا فيه أذناباً، وكونوا فيه أولاً ولا تكونوا فيه آخراً، فلم يلبث أن حضرته الوفاة فقال: «أوصيكم بتقوى الله تعالى وصلة الرحم فإنه لا يبلى عليها أصل».