شافي العليل في شرح الخمسمائة آية من التنزيل،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

(سورة هود #)

صفحة 209 - الجزء 1

(سورة هود #)

  {إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ١٠} الآيه.

  الفرح المذموم هو البطر والأشر وهو الذي أراد بقوله: {لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ٧٦} وقوله {وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا} في الموضعين، فأما الفرح مع الشكر لله، والتواضع، وعدم الافتخار الذي هو التطاول على الغير فلابأس به، وهو المراد بقوله تعالى {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ٤ بِنَصْرِ اللَّهِ} وقوله {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ}، وسواء أكان ذلك لمصلحة دنيوية كما يفسح المؤمنون بزوال الدّين، وتيسير أمر المعيشة أو عاقبة الولد، ونحو ذلك، أو دينية كما يفرح محسن بطريقته بدين الله وكونه على الحق في المذهب، وتخلصه من المآثم.

  {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا} الآيه.

  دلت على أن فضيلة الايمان أفضل من كل فضيلة، والماحية لكل نقيصة، فيحب تعظيم من اتصف به ولو كان فقيرا عادما للحياة متعلقا بالحرف الوضيعة، وهو نظير قوله {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} الآية وتدل على أنه لا يلحق أتباع الرؤساء وأهل السيادة للداعي بقرينة كونه غير محق وبالعكس، ولهذا نظائر من القرآن كقوله في الشعراء {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ ١١١}، وفي الأنعام ماتقدم وفى الكهف مثلها أيضا، وفى سبأ {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ٣٤} وقوله {أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا} وغير ذلك.

  {وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا} الآيه.

  دلت على انه لا يحبس الدعاء بما يعلم أنه لا يقع، بل بما يرجى وقوعه فقط فيدخل في ذلك الاستغفار للمصر، وطلب العفو أو الشفاعة لمن مات فاسقا ونحو ذلك.