المواعظ الشافية شرح الأنوار الهادية،

الحسن بن يحيى القاسمي (المتوفى: 1343 هـ)

[وصية أمير المؤمنين لولده الحسن @]

صفحة 188 - الجزء 1

  بِالتَّذْكِيرِ عِنْدَ الزَّلَّةِ، وَامْحَضْهُمْ الْمَوَدَّةَ عِنْدَ الْهِبَةِ، كَمْ أَخو ثقة بعث العتق بخفة، سَاعِدْ أَخَاكَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَزُلْ مَعَهُ عَلَى الْحَقِّ حَيْثُ زَالَ، جُدْ عَلَى عَدُوِّكَ بِالْفَضْلِ، فَتَسْخِيرُ الْعَدُوِّ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ أَحْلَى مِنَ الظَّفَرَيْنِ، بَصِّرْ صَدِيقَكَ، وَتَجَرَّعِ الْغَيْظَ، فَإِنِّي لَمْ أَرَ جُرْعَةً أَحْلَى مِنْهَا عَاقِبَةً، وَلَا أَلَذَّ مَغَبَّةً، وَلِنْ لِمَنْ غَالَظَكَ، فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَلِينَ لَكَ، وَخُذْ عَلَى عَدُوِّكَ بِالْفَضْلِ فإِنَّهُ أَحْلَى الظَّفَرَيْنِ، وَإِنْ أَرَدْتَ قَطِيعَةَ أَخِيكَ فَاسْتَبْقِ لَهُ مِنْ نَفْسِكَ بَقِيَّةً يَرْجِعُ إِلَيْهَا إِنْ بَدَا لَهُ ذلِكَ يَوْماً مَا، وَمَنْ ظَنَّ بِكَ خَيْراً فَصَدِّقْ ظَّنهُ، مَا أَقْبَحَ الْقَطِيعَةَ بَعْدَ الصِّلَةَ، وَالْجَفَاءَ بَعْدَ الْإِحْسَانِ، وَالْعَدَاوَةَ بَعْدَ الْمَوَدَّةِ، وَلَا تُضِيعَنَّ حَقَّ أَخِيكَ اتِّكَالاً عَلَى مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكَ بِأَخٍ مَنْ أَضَعْتَ حَقَّهُ، وَلَا يكُنْ أَهْلُكَ أَشْقَى الْخَلْقِ بِكَ، وَلَا تَرْغَبَنَّ فِيمَنْ زَهِدَ فِيكَ، وَلَا يَكُونَنَّ أَخُوكَ أَقْوَى عَلَى قَطِيعَتِكَ مِنْكَ عَلَى صِلَتِهِ، وَلَا تَكُونَنَّ عَلَى الْإِسَاءَةِ أَقْوَى مِنْكَ عَلَى الْإِحْسَانِ، وَلَا عَلَى الْبُخْلِ أَقْوَى مِنْكَ عَلَى الْجُودِ، وَلَا عَلَى التَّقْصِيرِ أَقْوَى مِنْكَ عَلَى التَّفَضُّلِ، وَلَيْسَ جَزَاءُ مَنْ سَرَّكَ أَنْ تَسُوءَهُ، وَلَا يَكْبُرَنَّ عَلَيْكَ ظُلْمُ مَنْ ظَلَمَكَ، فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي مَضَرَّتِهِ وَنَفْعِكَ.

  وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ، أَنَّ الرِّزْقَ رِزْقَانِ: رِزْقٌ تَطْلُبُهُ، وَرِزْقٌ يَطْلُبُكَ، فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَأْتِهِ أَتَاكَ، وَالزَّمَانُ يَوْمَانِ يَوْمٌ لَكَ وَيَوْمٌ عَلَيْكَ، فَمَا كَانَ لَكَ أَتَاكَ عَلَى ضَعْفِكَ وَمَا كَانَ عَلَيْكَ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى دَفْعِهِ بِقُوَّتِكِ، مَا أَقْبَحَ الْخُضُوعَ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَالْجَفَاءَ عِنْدَ الْغِنَى! مَا أَقْبَحَ الْمَعْصِيَةَ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَزَلْ بِرُّهُ عِنْدَكَ، إِنَّمَا لَكَ مِنْ دُنْيَاكَ مَا أَصْلَحْتَ بِهِ مَثْوَاكَ، وَإِنْ جَزِعْتَ عَلَى مَا تَفَلَّتَ مِنْ يَدَيْكَ، فَاجْزَعْ عَلَى كُلِّ مَا لَمْ يَصِلْ إِلَيْكَ.

  اسْتَدِلَّ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ بِمَا قَدْ كَانَ، فَإِنَّ الْأُمُورَ أَشْبَاهٌ، وَلَا تَكُونَنَّ مِمَّنْ لَا تَنْفَعُهُ الْعِظَةُ إِلَّا إِذَا بَالَغْتَ فِي إِيلَامِهِ، فَإِنَّ الْعَاقِلَ يَتَّعِظُ بِالْأَدَبِ، وَالْبَهَائِمَ لَا تَتَّعِظُ إِلَّا