مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[إلزام لا مفر منه]

صفحة 159 - الجزء 1

  فإن قالوا: نعم، كفروا ولزمهم أن لهم مخرجاً من علم الله تبارك وتعالى.

  [وإن قالوا: لا].

  قلنا لهم: فأوجدونا حجة أن العلم شرك في أفعالهم بقليل أو كثير، فلا يجدون ذلك أبداً بحيلة محتال، فإن الجأهم الأمر إلى أن يفتروا على الله ø ويقولون: إن علم الله هو الذي حال بينهم وبين الطاعة، وأوقعهم في المعصية.

  قلنا لهم: هاتوا آية واحدة من كتاب الله ø، تشهد على ما قلتم، ونُسلِّم لكم، لأن الله ø يقول في كتابه: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}⁣[النحل: ٨٩]، ويقول: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}⁣[الأنعام: ٣٨]، ويقول: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ٨٢}⁣[النساء]، فإن وجدوا آية واحدة تشهد لهم بأن العلم الذي حال بينهم وبين الطاعة، وأدخلهم في المعصية، فالقول قولهم، ولا حجة لنا عليهم، وإن وجدوا القرآن من أوله إلى آخره، يشهد لنا عليهم بأن الحائِل بين العباد وبين الطاعة، والُمدخِلَ لهم في المعصية اتباعُ الهوى، وإيثار الشهوات، والحمية والعصبية، وأن في جميع القرآن أن الله يلزمهم أفعالهم، ويتبرأ منها، وأنه يقول: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ١٧}⁣[السجدة]، ولم يقل: جزاء بها قضيتُ عليكم، وقدّرت واردتُ منكم، وقال: {بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ٢٤}⁣[الحاقة].

  وإنه قال في ملكة سبأ: {وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ ٤٣}⁣[النمل]، ولم يقل: صددتها ولا علمي صدّها.