مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[هل الله عالم بما هو كائن من خلقه قبل أن يخلفهم]

صفحة 61 - الجزء 1

  وسألت فقلتَ: أليس قد علم الله ماهو كائن من خلقه قبل أن يخلقهم؟!

  فقولنا: إن الله تبارك وتعالى هو الأول قبل كل شيء من خلقه، ولم يزل عالما بجميع الأشياء قبل كونها أنها ستكون، وعِلمُ الله ø بالأشياء هو غير المعلومات، لأن العلم من صفات الذات، والمعلومات من صفات الفعل، وهو غير العلم، والله ø العالم بنفسه، لا بعلم هو غيره، وليس علمه بشيء غيره، والأشياء كلها هي غير الله ø، فلما أحدث الأشياء التي أحدثها هو مما تولى صنعه، ليس مما أحدث العباد، صار علمه محيطاً بها، وكذلك علمه محيط بما أحدث العباد باختيارهم، مما كرهه ولم يرضه، ولم يخلقه من فعلهم واكتسابهم، وقد علم جل ثناؤه قبل أن يُحدث الأشياء ما يكون قبل أن يكون، فلم يزده ذلك علماً لم يكن يعلمه، ولم ينقصه عن علم شيء قد علمه، ولم يكلف الله ø خلقه إبطال علمه المحيط بهم والخروج منه، لأنه ليس إلى ذلك سبيل، إلا أن يكون لهم سبيل إلى الخروج من بين السماوات والأرض! وهذا كله محال لا يكون.

  فالعلم محيط بالخلق كإحاطة السماوات والأرض، والسماوات والأرض لم يشركن في أفعالهم من الخير والشر بقليل ولا كثير، لا إذا زنوا وسفكوا الدماء، وانتهكوا المحارم، وعبدوا الأصنام، وكفروا بالرحمن، وفعلوا الجور كله، وفعلوا الطاعة كلها، ولا يجوز أن يكون للسماوات والأرض في فعلهم فعل، ولا تشركهم بخردلة فما فوقها.

  وكذلك العلم محبط بهم، لا يشركهم في فعلهم بقليل ولا كثير، ولا بمقياس