مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[كره الله انبعاثهم فثبطهم]

صفحة 172 - الجزء 1

  والاستطاعة مع الفعل، والقضاء والقدر، وأنك مبطل في جميع ما ادعيت من ذلك كله، مسخط لله جل ثنازه، بما وضعت من باطلك على أهل العدل، لأنه يلزمك في قولك أنهم لا يقدرون أن يصنعوا خلافَ ما علم الله منهم.

  فنقول لك: فهل لهم حيلة على أن يدفعوا ما خلق الله ø من أفعالهم وقضاه وقدره وأراده من أعمالهم؟! كما لم يقدروا أن يفعلوا خلاف ما علم الله سبحانه منهم؟

  فإن قلت: لا يقدرون على خلاف ذلك والخروج منه.

  قلنا لك: فما معنى قول الحكيم الذي لا يظلم ولا يجور في قوله: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً}⁣[التوبة: ٤٦]، وهم ليس لهم إرادة ولا لهم حيلة في الخروج من خلقه، ولا من قضائه وقدره وإرادته، ولا إلى ترك ما علم من أفعالهم، ونحن لا نجد لهم أمراً يجب عليهم فيه عذاب، ولا يلزمهم به معصية، إذ الفعل فعل ربهم بهم، وهو الخالق لأفعالهم، والمقدّر لها عليهم - زعمتم - وهو القوي الذي لا يُغلب ولا يقهر.

  وأخبرونا عن قوله سبحانه: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}⁣[البقرة: ٢٨٦] {إِلَّا مَا آتَاهَا}⁣[الطلاق: ٧]، وقوله: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}⁣[البقرة: ١٨٥]، وقوله: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ٨٢}⁣[النساء].

  فهاتِ أخبرنا أنت ما معنى إرساله الرسل، وإنزاله الكتب على قوم لا يقدرون على أن لا يعلم الله منهم فعلاً قبيحا ولا معصية، ولا يقدرون على الخروج من خلقه لأفعالهم، ولا تقديره عليهم وقضائه الذي حتم من معاصيهم؟!