[كسب الأشعرية]
  واعلم أن معنى الآية التي ذكرت من قول الله ø: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ}[التوبة: ٤٦]، فإنا نقول: إنه لما دعاهم رسول الله ÷ إلى الخروج والجهاد في سبيل الله، لم يريدوا ذلك ولم يجيبوا، اتّباعاً للهوى، وميلاً إلى الردي، ولم يعدّوا العدة التي بها يقوم الجهاد، ويجب الأجر، فكان تثبيطهم لِما فعلوا، وما حكى الله ø عنهم، وعلم أنهم لو خرجوا مع نبيه صلى الله عليه لفعلوا به، كما علم أنهم لو أرادوا ما علم الله ذلك منهم، ولا علم منهم إلا الخير والطاعة والعدة للجهاد، وترك التسمُّع والتجسُّس على رسول الله صلى الله عليه، فقال: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ٤٦}[التوبة]، ثم قال لنبيه صلى الله عليه: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ٤٧ لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ ٤٨}[التوبة].
  أفلا ترى أيها المهلك لنفسه ولمن تبعه، أن الله ø لم يثبطهم عن دينه، ولم يحُل بينهم وبين طاعته، والجهاد في سبيله، والخروج مع رسوله صلى الله عليه، إلا المعصيتهم أولاً وآخراً، التي كان منهم فيها البدء.
  فأما أولاً فما كان منهم من ابتغائهم للفتنة، وتقليبهم لرسوله الأمور، حتى ظهر الحق الذي كرهوا، وأعرضوا عنه بكفرهم وظلمهم وعدوانهم، الذي استوجبوا به في الدنيا والآخرة الخزي من الله ø، وسوء الثناء الذي ذكرهم به في كتابه، لا يزال يُقرأ قبح أفعالهم، وابتداؤهم بالظلم والإعراض عن أمر الله ø، وأمر رسوله #، أبدا حتى تقوم الساعة.
  وأما آخراً فما كان من كفرهم الذي أضمروه لرسول الله ~ وعلى آله وسلم، من الغش والخيانة والتسمُّع، الذي قال الله ø: {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ٤٧}[التوبة]، فسمَّاهم: ظالمين، وإنما كره انبعاثهم