مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[كسب الأشعرية]

صفحة 175 - الجزء 1

  وثبطهم، لما علم من كفرهم وسوء اختيارهم، وإفسادهم على رسوله صلى الله عليه لو خرجوا معه.

  فلهذه الأسباب كره ø انبعاثهم وثبطهم، لا ما ذهبتَ إليه أنت، من أن الله - ø عما قلت - كره انبعاثهم مع رسوله صلى الله عليه، وجهادهم الأعدائه، لغير علّة من العلل، ولا حجة لزمتهم، وثبّطهم عن الجهاد لا لسبب استوجبوه، ولا أمر استحقره، إلا ابتداؤهم بالكراهية، والتثبيط من غير علة وجبت له عليهم، ولا ظلم أتوه، ولا عدوان بُدِأوا به، تعالى عما قلت علوا كبيرا!

  والشاهد لنا في تصديق قولنا، وصواب حجتنا، قول الله ø: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ}⁣[التوبة: ١١٥]، {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ١٥}⁣[الإسراء]، وقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}⁣[الأنفال: ٥٣]، {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ}⁣[الرعد: ١١]، وذلك بعد استحقاقهم له، وإعراضهم عن الطاعة، فأما قبل قيام الحجة فلا يجوز ذلك على العدل الذي لا يجور، كيف وهو الذي يقول، وقد أخبر عن قوم ظلموا أنفسهم، وجحدوا بآياته: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ١٣ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ١٤}⁣[النمل].

  أفلا ترى أنهم إنها جحدوا بعد المعرفة، لما جعل الله لهم الاستطاعة إلى تركه وفعله، ونفي ذلك عن نفسه ø، فإذا كان جحدانهم آياته عنده ظلما وعلوا، فعاب ذلك عليهم، ثم أخذهم وعذبهم على أمر لم يكن لهم فيه معني، لزمهم به