مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[كسب الأشعرية]

صفحة 178 - الجزء 1

  ولم يفرض عليهم الخروج من العلم، لأن الله ø قد أحاط بكل شيء علماً ولا مخرج لأحد من علم الله ø، والدليل على ذلك، ما قلنا لك في بعض كتابنا هذا من الحجة القاطعة: إنا نسألك هل أراد الله من العباد انفاذ ما أمر، بتركِ ما علم، أو انفاذ ما علم، بتركِ ما أمر؟

  فإن قلت: إن الله ø أراد من الخلق انفاذ ما علمَ بتركِ ما أمر، لزمك - وأنت مفلوج الحجة - أن الله ø أراد انفاذ ما علم من الظالمين، وترك الفرائض التي جاءت بها المرسلون، وفي هذا القول يلزمك الشرك والخروج من دين الاسلام كافة.

  وإن زعمت أن الله ø أراد أن تُترك فرأئضه وكتبه، ودينه الذي شرع، وأمْره ونهيه، وطاعته وطاعة رسوله #، [أكذبك الله سبحانه]، إذ يقول: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}⁣[البقرة: ١٨٥]، وقوله: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}⁣[النساء: ٢٦]، ثم قال: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ٢٧}⁣[النساء].

  وإن قلت: إن الله ø أراد إنفاذ ما أمرَ بتركِ ما علم، لزمك أنك قد رجعت عن جهلك، وأن الحق معنا، وهذا قولنا إن الله ø أراد من الخلق انفاذ ما أمرهم به من طاعته، بترك ما علم منهم من اتباعهم للهوى، والميل إلى الكفر والردي، والصدّ عن الهوى، إذ أمر تخيراً، ونهي تحذيراً، فلم يُطَعْ كرهاً، ولم يعصَ مغلوباً.

  والعمر الله إن مسألة واحدة من مسائلنا هذه، لتقطع جميع أهل الجبر، وتجزي عن الاحتجاج بغيرها، ولكن لابد من جوابك على كتابك كله، لتعلم موضع خطاك باحتجاجك علينا في مسألتك هذه بالقرآن، وأنت لا تعرف القرآن، ولو عرفت القرآن لم تقل بالجبر.

  وأما قولك: إن الله جل ثناؤه لم يكذّب المنافقين في قولهم، {لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا