مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[شبهة لو شاء الله لآمن الناس كلهم]

صفحة 188 - الجزء 1

  فهذا أعظم الدليل، وأكبر الحجة لنا عليكم، أنه ø لو كان فعل شيئا من أفعال الخليقة، لكان أصحّ للكلام، وأوجب في العدل، وأبين للحكمة، وابعد من الظلم أن يقول: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ}. ثم يقف إذ كان جميع ما أدّعيت وذكرت، وبه احتججت هو فعله وخلقه وتقديره عليهم.

  ولا يقول: {وَهُمْ يُسْأَلُونَ ٢٣}، وعمَّ يسألون؟ وهو الذي فعل أفعالهم، وجبرهم عليها - زعمت - وأراد أن يكون قوم مؤمنين فكانوا، وأراد - زعمت - أن يكون قوم كافرين فكانوا، وعلم – زعمت - أنهم لا مخرج لهم من الكفر، فصاروا بما علم منهم لا يقدرون على الخروج من الكفر، بعد ما افترض عليهم الخروج من الكفر، فعمَّ يسألون وهو الذي حال بينهم وبين كل طاعة، وأراد منهم كل معصية وبلية على قولك، تعالى الله عن فريتك عليه، وجل جلالاً كبيرا!

  وإنما معنى الآية: أنه ø أخبر أنه لو فعل لهم من سُقُفِ الفضة والسرر والمعارج والأمر الذي ذكر ø، لم يكن ذلك بدائم لهم ولا مُغنٍ، ولكنه ø لم يجبّ أن يكون له فعل يخرجهم إلى معصية فسراً، ولا إلى طاعة جبراً، بل خيّرهم تخييراً، وصيّر لهم السبيل إلى ذلك، فمن شاء آمن، ومن شاء كفر، ولا خيرة لهم في تنعيم أيام يسيرة، ثم تصير عاقبته إلى العذاب المقيم، وقد قال ø: {أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ٢٠}⁣[الحديد].

  وأما قولك: فلو جعله للمؤمنين مع الثواب في الآخرة، لكان الناس أجدر أن يؤمنوا كلهم.

  فإن قلنا: - زعمتَ - بلي.