[شبهة لو شاء الله لآمن الناس كلهم]
  فإن قلت: إن الله ø أمر نبيه صلى الله عليه بقتالهم، حتى يزول ما علم من كفرهم، رجعت عن قولك، وبطلت دعواك، ولزمتك التوبة من فريتك، وصرت إلى قولنا بالعدل، وبان جهلك لأصحابك وغيرهم.
  وإن قلت: إنه لم يأمر نبيه صلى الله عليه بقتالهم حتى يزول ما علم من كفرهم.
  قلنا لك: فما معنى قوله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}[الأنفال: ٣٩]؟!
  والفتنة في غير موضع من القرآن: الكفر خاصة، معروفٌ ذلك في كتاب الوجوه، فلا تجد حجة تلجأ إليها، ولا وَزَرا تأوي إليه، إلا الكفر بالآية والتكذيب لها، أو الرجوع إلى قولنا اضطرارا وقهراً، إن الله أمر نبيه صلى الله عليه بقتال الناس حتى يكون الدين كله لله ø، ويخرجوا مما علم من كفرهم وظلمهم وجورهم، وشركهم وعدوانهم، وجميع معاصيهم التي كرهها الله ø وحرّمها عليهم، فيخرجوا من قبيح ماعلم إلى أحسن ما علم، وهذا هو دين الله جل ثناؤه الذي بعث به المرسلين، وجاءتهم به الملائكة المقربون، لا بد لك مما قلنا إما الكفر بالآية والجحدان لها، أو الرجوع إلى قولنا بالعدل، لا جورك وجبرك الذي سميته: عدلاً، عزَّ الله عن ذلك! وعند ذلك تفتضح ويتبين خطأؤك وفريتك وخديعتك لأصحابك.
  ومن الدليل على تصديق قولنا أيضاً: قول الله ø يحتج لنفسه على الكفار، ويتبرأ من عظيم فعلهم، وأنه لم يأخذهم بالعذاب إلا بعد الحجة القاطعة، والإبلاغ في العذر، والإصرار منهم على المعاصي، فقال ø: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى ١٣٤}[طه]. أهذا ويحك قول من أراد كفرهم أو قضى المعاصي عليهم؟!