مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[شبهة لو شاء الله لآمن الناس كلهم]

صفحة 195 - الجزء 1

  أفلا تراه كيف لم يهلكهم إلا بعد الإعذار والإنذار، وقيام الحجة البالغة وشاهد ذلك قوله ø أصدق شاهد، وأصحّ حاكم بيننا وبينك: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ١٥}⁣[الإسراء]، وقوله جل ثناؤه: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ١١٧}⁣[هود]، وقوله ø: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ٤٦}⁣[فصلت]، وقوله: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ٨١}⁣[البقرة]، وقوله جل ثناؤه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ٤٠}⁣[العنكبوت]، فأي ظلم أظلم، أو أي جور أعظم من أنه أخرجهم من العدم إلى الوجود! ثم أراد - زعمت - أن يكفر به بعضهم، وأن يؤمن به بعضهم، على غير حجة، ولا أمر، لزمهم به العذاب، ولا وجب للمؤمنين به الثواب، وإلا فأوجدونا حجة لزمتهم بها حجة، هو خليّ أو بريء من مشاركتهم فيها، ونُسلم لك. لا تجد والله ذلك أبدا إلا أن تجد الحيتان في قعر الرمل، والضباب في لجّة البحر، وهذا غاية المحاَل، والحمد لله رب العالمين!

  فهذا جواب ما ادّعيت، في قول الله ø في آية الزخرف: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ٣٣}⁣[الزخرف].

  ألا ترى كيف قال ø في آخر القول: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ٣٦}⁣[الزخرف]، فتراه الذي عشا عن ذكر الرحمن بأعشائه لنفسه واتباعه لهواه. ثم قال ø: {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ٣٧ حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ٣٨ وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ٣٩}⁣[الزخرف]. وهذه الصفة فقد أصابتك، ومن قَبِلَ عنك، فلا يبعد الله إلا من ظلم