مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[شبهة في قوله: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}]

صفحة 200 - الجزء 1

  فهذا تخيير فيه شرط مشروط، وهذا شاهد لنا من لغة العرب التي احتججت بها علينا، إذ لا تعرف اللغة، ولو عرفت اللغة لم تقل بالجبر، لأن اللغة تكذب قولك وتصدق قولنا، كلا هذين الشاهدين من اللغة يوجب ما قلنا ويُبطل ما قلت.

  ثم نقول لك: وكذلك يلزمك لنا فيما احتججت علينا، فقلت: إنه يجب علينا أن يقال لنا: هل سمعتم الله خيّر قوماً ثم عنّفهم أن يأخذوا ببعض ما خيّرهم الله؟

  ثم قلت: أليس إنما يقع التخيير في كلام العرب أن المخيّر ليس بمذنب إذا اختار؟

  وقولنا لك: إنا نقول: معاذ الله وحاش لله، ما على المخير ذنب إذا اختار ما قيل له، وكان ذلك التخيير بلا شرط قبله يلزمه فيه حجة، ولو خيرهم الله ø فاختاروا أحد وجهين بلا شرط شرطه عليهم، ثم عذّبهم على ذلك، لكان ظالماً لهم، ولخرج من صفة الحكمة والعدل والحق، ولفسد التخيير.

  ثم نقول لك: وكذلك يلزمك لنا أيضا أن نسألك فنقول لك: هل سمعت أنت وأصحابك المجبرة في كلام العرب أن عادلاً حكيماً - لا يجور ولا يظلم، ولا يعبث ولا يخرج فعله من العقول - أمر قوماً قط بأمر لا يقدرون على بلوغه أن يبلغوه؟!

  أو هل يجوز لمن هذه صفته أن يقدّر على قوم تقديرا، أو يريد منهم أن يفعلوه، أو يقضيه عليهم ويخلقه من فعلهم؟ فإذا فعلوه وصاروا إلى مُراده، غضب عليهم. وأنكر فعلهم، وسخط قولهم وصنعَهم، وكادت جباله أن تخر هدَّا، وأرضه أن تنشق