مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[شبهة في قوله: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}]

صفحة 204 - الجزء 1

  عُلقة أو تباعة لمعتلّ اعتلّ فيه بحجة واحدة تثبت الجبر له لا غيرها لبطل كله، لأن الحق لا باطل فيه بمقياس رأس الشعرة، ولا أقل منه ولا أكثر، الحق أشرف شرفاً، وأقوى دعائم، وأعزّ سلطانا، وأوضح برهانا، وأمنع اركاناً، من أن يوجد فيه مدخل لداخل، أو علة لمعتلّ، أو حجة لمفسد، كيف وهو ø يقول: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ٤١ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ٤٢}⁣[فصلت]، ثم قال ø: {إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ٥}، فنقول لك: خبّرنا عن هذا الكذب الذي عنى الله في هذه الآية؟ ألله الذي خلقه وأراده، وقدّره وقضاه؟!

  فإن قلت: نعم.

  قلنا لك: فلِمَ استعظم ما خلق من الكذب وأراده، وقدّره وقضاه؟! وهو فعلٌ فعله لا فعلُ الكفار؟!

  لم تجد لهذا القول أمراً تدفعنا به، ولزمك أنه غضب من فعله، فأخرجتَه من العدل والحكمة، لأن الحكيم لا يعيب فعله، ولا يعاقب عليه، ولا يغضب منه.

  وإن قلت: هو فعلهم، رجعت عن قولك. ومهما قلت لزمتك فيه الغبلة وانقطاع الحجة.

  وإن قلت: فعلٌ من فاعلَين، لزمك أنه غضب من نصف فعله، وقبّحه وأنكره، وليس هذا فعل حكيم.

  واعلم علماً يقيناً أنه لو كان للمجبرة في كتاب الله ø حجة واحدة توجب لهم علة يقهروننا بها لبطل كله، لأنه لو كان بعضه باطلاً - يلزم الخصومَ فيه الحجة التي لا يجدون لها دفعاً - وبعضه حقا، لم يكن ذلك لله ø بحجة على خلقه، يوجب بتلك الحجة الخلود في الجنة، والخلود في النار، فالقرآن مبرأ من كل عيب، ومن كل جبر، ومن كل ظلم، ومن كل تناقض واختلاف.