[شبهة في قوله: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}]
  بنظير لقوله ø: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}[الكهف: ٢٩]. ألا تري كيف قال بعد التخيير: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ٢٩}[الكهف].
  أفلا ترى أيها المهلك لنفسه ولمن تبعه إلى قوله: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا}، فَلِمَ سمّاهم: ظالمين إن كنت صادقاً؟ وأين موضع ظلمهم الذي ألزمهم فيه النار المحيط بهم سرادقها؟ وبأي حجة ألزمهم الشراب الذي كالمهل يشوي الوجوه، وسوء المرتفق؟!
  فلا بد لك أن تقول: إنه فعله منفرداً دونهم، فتُلزمه أنه ساهم: ظالمين، ولم يظلمهم فتُخرجه من الحكمة والعدل، وأنه أوجب لهم النار المحيط بهم سرادقها، والماء الذي كالمهل الذي يشوي الوجوه، ظلماً على غير أمر فعلوه، فتكذّبه وتنقض قرآنه، وتُبطل حجته، وتقوم بعذرِ جميع من عانده.
  وإن قلت: بل له بعضُ فعلهم ولهم بعضه - على قولكم - فعل من فاعلَين، فيصيرون بذلك - على قولك - شركاء الله جل ثناؤه في فعله، ولزمك الشرك، لأن من قولك: إنه خلق أفعالهم وقدّرها، وقضاها وأرادها، ثم ساهم ظالمين، وهو شريكهم في ذلك الظلم الذي عابه عليهم، وأعدّ لهم عليه النار، وهم شركاؤه الذي أدخلهم في فعله وقدّره عليهم، وأراده منهم، وقضاء عليهم، وقد علم أنهم لا يقدرون على إبطال قضائه وقدره، لأنه حال بينهم وبين انفاذ أمره، حتى لا يبطل علمه - زعمت – وهذا هو الشرك الأكبر، والكفر الأعظم، والتعطيل الأجلّ، والبراءة من الإسلام.