[شبهة حول قوله، {وجعلنا قلوبهم قاسية}]
  جعلُ الجبر، وذلك جائز في لغة العرب، تقول العرب: ضللني فلان، أي: سماه ضالاً، وكفَّرني فلان، أي: سماه كافراً، قال الكميت:
  فطائفةٌ قد أَكفرُوني بحبُكُم ... وطائفة قالوا مُسيءٌ ومذنبُ
  فعلى هذا القياس يخرج الكلام.
  فعبد الله بن يزيد البغدادي يحتج لهم حتى تقوم حجتهم على الله، ويثبت عذرهم في نقض العهد والكفر، وتحريف القول والخيانة، ونحن نحتجّ لله ø ونذودهم عن قوله، {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[النساء: ١٦٥]، والمجبرة المفترية على الله جل ثناؤه يطلبون إيطالَ قوله: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}، وتكون الحجة لهم على الله، ويريدون في كسر هذه الآية، ويحتالون على فسادها بكل حيلة، {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ٣٢}[التوبة].
  فانظر أي الفريقين يحتجّ لله ø، وأيهما يحتج عليه، ويُلزمه خطأ الكفار، ويسند إليه أنه لولا ما أقسي به قلوبهم، لسلموا من النار، ونجوا من العقوبة، سبحان الله العظيم! ما أقبح هذا القول وأشنع هذا من مذهب، قوم يسمعون القرآن ويقرون به أنه من عند الله ø، ثم يكون هذا دفعهم عن الكفار، و نفيهم العيب عن جميع العصاة، وإلزامهم العيب والجور لربهم، عزّ عن ذلك وتعالى!
  ألا ترى كيف قال في القوم الذين أراهم الآيات ليؤمنوا به، فلم تزدهم تلك الآيات إلا تجاهلاً وتعامياً، حتى صاروا بذلك الفعل إلى ما نسبهم الله ø