[شبهة حول قوله، {وجعلنا قلوبهم قاسية}]
  إليه، حيث يقول: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}[البقرة: ٧٤]. أفلا ترى أن قسوة القلوب إنما هي منهم بعدما رأوا الآيات، وبانَ لهم الحق، وأنهم هم الذين أقسوا قلوب أنفسهم، لا هو ø، إنما سمّاهم بما فعلوا واختاروا، وضرب لهم المثل العظيم في الحجارة أنها ألين من قلوبهم القاسية، التي أقسوها عن طاعة الله ø عدواناً وظلماً، وحميّةً وعصبية على الكفر.
  وقد أعلمناك أن الجعل في كتاب الله جل ثناؤه على وجهين:
  جعلِ حكم وتسمية.
  وجعلي جبر وقسر وحتم، لا مخرج منه لأحد من الخلق.
  فالجعل الذي هو جعل الحكم والتسمية، مثل قوله ø: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ}[القصص: ٤١]، وقوله: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}[السجدة: ٢٤]، وقوله: {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً}[المائدة: ١٣]. ذلك كله مما ليس لله ø فيه جبر لخلقه، ولا قسر ولا حكم، وإنما ساهم وحكم عليه بفعلهم.
  وأما جعلُ الجبر والقسر والحتم الذي لا مخرج لأحد منه، ولا حيلة فيه، ولا محيص عنه، فهو ما لم تعقله أنت وأصحابك المجبرة، ولم تأخذوه من عين صافية، ولا منهل رويّ، ولا وراثة عن نبوة.
  وكيف يشرب الماء العذب من اغترف من البحر المالح الأُجاج؟! فذلك قوله ø: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا}[الأنبياء: ٣٢]، {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ}[الإسراء: ١٢]، {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}[الأنبياء: ٣٠]، {وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا ١٣}[النبأ]، و {جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا}[الزخرف: ٣].