مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[شبهة حول قوله، {وجعلنا قلوبهم قاسية}]

صفحة 226 - الجزء 1

  وهذه من حجتكم على أهل التشبيه في إثبات التوحيد، إذا قالت لكم المشبّهة إن القرآن كلام الله نطق به بآلة كالة المخلوقين، احتججثم عليهم بأنه مجعول، وهذا مما يُفسد عليكم التوحيد، ويُسقط دعواكم فيه، لما تقولون به من الجبر، فلا يزال الكلام يدخل عليكم في اعتقادكم للجبر، بها يبطل عليكم ما قلتم به من التوحيد، لأنه لا يقوم توحيد بلا إثبات عدل، لأن من وصف الله ø بالجبر، فقد شبّهه بالمخلوقين، وقد مضى جوابنا هذا من فساد التوحيد عليكم بما فيه الكفاية إن عقلتم، لأنه لا يقوم التوحيد ولا يصح إلا بإثبات العدل، لأنه لا يوحّد الله ø من شبّهه بالجائرين، لأنه مشبّه كالمشبهين.

  وأما قوله ø: {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً}⁣[المائدة: ١٣]، فإنما هو جَعلُ حكم وتسمية، لا جعلُ خلقٍ ولا جبر، ولو كان جعلَ خلق وجبر، لم يُجز أن يقول للكفار: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا}⁣[العنكبوت: ١٧]، فيلزمه - ø عما تقولون - أنه هو الذي خلق ذلك الإفك، لأن أفعال العباد - على زعمكم - مخلوقة، فافهم الباب الذي غلطتَ فيه، وأهلكتَ من اتبعك، وإلا لزمك أن الله ø خلق إفك الأفاكين، ثم عذّبهم على خلقه، لا على أمر فعلوه هم ولا خلقوه.

  فإن قلت: خلق نصفه وهم نصفه، فِعلٌ من فاعلَين على قولكم، إذ زعمتم أنه خلقٌ لله واكتساب من العباد.

  قلنا لك: فحسبك برجل زعم أن ربه شريك للأفاكين، وأنه جعل عليهم العذاب كله، وأنه الذي خلق الفعل. فكان الواجب أن يجعل عليهم نصف العذاب، إن كان ثمَّ عدلٌ أو حكم حق لا جور فيه، وبالله ما زادت عبدة الأوثان على قولك هذا، إذ قالوا: إن الأوثان أرباب معه ø، وإنهم عملوها بأيديهم، ثم زعموا أنها التي ترزقهم وتقربهم، وكذلك قلتم إنه خلق الشرك والكفر، وأقسي القلوب، ثم خلّد من فعل ذلك في العذاب الأليم.