مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[شبهة حول قوله، {وجعلنا قلوبهم قاسية}]

صفحة 228 - الجزء 1

  وإن قلت: كلاهما خلقُ الله اليد والسرقة.

  قلنا لك: فما له لم يعذبه على خلق يده، كا عذبه على سرقته؟! فلا تجد حجة تدفعنا بها أبدا، ولا فرقاً يفرق لك لمِا عذب على بعض خلقه، ولم يعذب على بعضه. وهذا غاية الفلج وقطع المعاند.

  ثم نقول لك: خبّرنا عن قوله ø يحكي عن الكفار: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ١٩}⁣[الزخرف]، فنقول لك: كيف جعل الكفارُ الملائكةَ إناثاً؟ وكيف هذا الجعل الذي ذكر الله ø؟ فإنه لا بد لك ولا محالة أن تقول: سمَّوهم وحكموا عليهم بما قالوا فيهم أنهم إناث غير ذكران.

  فنقول لك: قد لزمك الرجوع عن قولك، والتصديق لنا، أن الجعل في كتاب الله ø على وجهين.

  فإن قلت: جعلوهم جعلَ خلقٍ، لزمك أن المشركين خلقوا الملائكة، فأي هذين الوجهين قلت به غُلبتَ، وسقطت حجتك في قولك: إن الله ø هو الذي جعل قلوب الكفار قاسية، جبراً وقسراً وحتماً، لأن الله ø هو الجاعل للأجساد، لا جاعل لها غيره، وذلك قوله: {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ ٨}⁣[الأنبياء]، وكذلك جميع المعاصي اللهُ ø منها بريء، لم يجعلها جَعل خلق، ولا بنية مركّبة، وإنما جعلها الظالمون باتباع الهوى، وحب الدنيا، وتقليد الرؤساء، والحمية على الكفر والخطأ، والرغبة في التافه الأدنى،