مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[تكليف ما لا يطاق]

صفحة 240 - الجزء 1

  على الرجال، ولم يجعل الله ø لنا العقول إلا لأن لا يُجوَّز عليها الفساد، وما لا يُعقل من أن يكون العادل يفعل الجور، ثم لا يكون ذلك منه ظلماً ولا جورا، هذا هو الخروج من العقول المركبة، التي جعلها الله ø حججاً، بها يثيب، وبها يعاقب.

  وكذلك لو قال رجل: إن الأمير قتل اليوم من المشايخ العُبّاد في المسجد الأعظم مائة شيخ من المؤمنين العباد الصالحين، في غير جرم أتوه، ولا ذنب اكتسبوه، وكان فعل الأمير ذلك بهم في غير ظلم ولا جور، لم يكن هذا القول بسائغ لقائله عند الناس، ولا بجائز في لغة العرب، ولا في عقولها، ولا في التعارف الذي به لزمت الحجج، وانقطع عذر كل معتذر بباطل.

  فإن قلتم: إن الله يجوز عليه ما لا يجوز على المخلوقين!

  قلنا لكم: فكيف يجوز على الله سبحانه أن يفعل الظلم ثم لا يسمي: ظالما، فهو إذاً يلزمكم ويجب عليكم إن صحّ ما قلتم، أن يجوز عليه أن يُدخل الأنبياء والصالحين والأئمة الراشدين والشهداء والمؤمنين النارَ، ويدخل المشركين والكافرين والعصاة الظالمين الجنة، ولا يكون ذلك منه بظلم ولاجور!

  وكذلك لو قال رجل: إن الله ø أمر قوماً أن ينزفوا ما في البحر من مائه حتى لا يتركوا فيه قطرة واحدة، فلما لم يقدروا على ذلك أوجب عليهم الخلود في النار، ولا يكون ذلك منه بظلم لهم بعد ما عرّف الخلق، وأنزل عليهم الكتب، وأرسل إليهم الرسل، تخبرهم أنه عادل، وأنه لا يريد ظلمهم، وأنه قال: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}⁣[البقرة: ١٨٥]، و {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ