[تكليف ما لا يطاق]
  العباد ما لا يطيقون في غير ظلم ولا جور، وفلجناك وأنت صاغر، لأن الله ø إنما أخبرنا بفلج مالك لهم، وإيجابه الحجة لله ø عليهم، ورضي بقول مالك خازن النار، وأخبر به نبيه صلى الله عليه، لعلمه بصدق حجة مالك، وفلجه لجميع من دخل النار.
  وإن قلت: كذب مالك فيما احتج به عليهم، لزمك أن الله ø احتج بالباطل، فإن الذي قال مالك لأهل النار: {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ٧٨} كان باطلا، ولم يكن الله ø جاءهم بحق، ولا لزمتهم لله ø حجة. وقائل هذا كافر بالله العظيم، وخارج من دين الاسلام، فلا بد لك من القول بأحد هذين الوجهين، وفيه بطلان ما قلتَ، وفساد حجتك.
  ثم نقول لك من بعد هذا أيها المغرور في دينه، والجاهل بكتاب ربه: إن القوم الذين قالوا: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ٢٨٦}[البقرة]، وهذا كله لم تأت به في حجتك إلا بالطاقة وحدها، فقد زدناك أمثالها في المعاني التي تحتاج إلى التأويل، ويبين فيها فضل أهل العدل على أهل الجبر، ولو فطنت لتذكّرتها لتقوّي بها حجتك في الجبر، والمُدِلّ بالعلم لا يبالي من أي طريق قدم السائل عليه.
  واعلم أن الذين دعوا بهذا الدعاء، وسألوا الله ø هذا السؤال هم المؤمنون، ولم يقلْه ولم يَدْعُ به الكافرون، ولو كان الأمر في هذا الدعاء على ما توهّمت واعتقدت، من جهلك وفريتك على الله ø، العادل الذي لا يظلم، لكان القول على ما ذكرت أنهم سألوه أن لا يظلمهم.