مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[تكليف ما لا يطاق]

صفحة 243 - الجزء 1

  والمؤمنون أعرف بالله ø وبعدله وحكمته، وصدق وعده و وعيده، من أن يطلبوا منه أن لا يظلمهم، ولكنه ø افترض عليهم الدعاء والتضرّع، وعاب على من لم يتضرع إليه، فقال: {فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ٧٦}⁣[المؤمنون]، وقال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}⁣[غافر: ٦٠]، وقال: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ٥٥}⁣[الأعراف]، وقال: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}⁣[الأعراف: ٢٠٥] فافترض عليهم الدعاء بالغدوّ والآصال، دائباً ما عاشوا، وقال: {ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ}⁣[الإسراء: ١١٠]، وقال: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ١٩١ رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ١٩٢ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ١٩٣ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ١٩٤}⁣[آل عمران]، وقد علم المؤمنون أن الله ø سيصدقهم فيما وعدهم على رسله، وأنه لا يُخزيهم يوم القيامة، ولكن الدعاء من الله ø بمكان، وهو فريضة لازمة جهلتَ معناها، ومثل هذا في القرآن ما يكثر عدده، وفيما ذكرنا كفاية.

  فلما افترض الله ø على المؤمنين الدعاء، كان من شأنهم ودينهم وشريف مذهبهم أن قالوا: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}⁣[البقرة: ٢٨٦]، والنسيان هاهنا هو: الترك متعمدين، لأنه قال في تصديق ذلك: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}⁣[التوبة: ٦٧]، والله ø لا ينسى ولا يؤاخذ بالنسيان الذي هو النسيان لا