[تكليف ما لا يطاق]
  العمد، ثم قالوا: {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا}[البقرة: ٢٨٦]، فقد جاء في التفسير أنهم سألوه ø أن لا يمتحنهم بغيبة محمد ~ وعلى آله، كما امتحن بني إسرائيل بغيبة موسي صلى الله عليه، ثم قالوا: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}[البقرة: ٢٨٦]، يعنون: النار التي لا طاقة لهم بها، أي: لا تعذّبنا بالنار التي لا طاقة لنا عليها.
  فإن قال قائل: أوليس هم مؤمنين والمؤمنون فقد أمنوا من العذاب! فما معني طلبهم أن لا يعذّبوا؟
  قلنا له: قد أعلمناك أن الله ø افترض على الأنبياء والمؤمنين الدعاء، وليس هذا الدعاء جهلاً منهم أن الله ø يعذبهم بغير جرم، كما قال عبد الله بن يزيد البغدادي وإخوانه المجبرة، ثم لا يكون ذلك ظلماً لهم، وكذب عدوّ الله عبد الله بن يزيد البغدادي، ما يُعرف الظلم إلا المؤاخذة على غير جرم، ولا يفعل الظلمَ إلا ظالم، فسألوه أن لا يعذبهم بالنار وهو ما لا طاقة لهم به.
  والشاهد - لنا على ذلك - الواضحُ، دُعاء الملائكة $ لعباد الله المؤمنين، حيث أثنى الله ø عليهم بذلك، وأخبر نبيه صلى الله عليه في كتابه بفعل الملائكة صلى الله عليهم، وحُسن دعائهم للمؤمنين، على معرفة الملائكة بعدل الله جل ثناؤه، وأنه لا يخلف الميعاد، وأنه لا يعذّب المؤمنين، وأنه قد أوجب لهم الجنة، وحكم لهم بها، لا شك في ذلك عند الملائكة، ولا خلف في صدقه، فقال ø: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا