[شبهة في قوله، {أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم}]
  المعاصي، ويفعلون ما يريد إبليس منهم من جميع الشرك والكفر والمعاصي، وليس ذلك بُمدخل على الله ø عجزاً ولا وهناً ولا ضعفا، ولا نقصاً ولا عيباً ولا غلبة ولا قهراً، على أنه ø الذي قال: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ١١٢}[الأنعام]، وقال: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا}[السجدة: ١٣]، وقوله: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا}[الأنعام: ١٠٧]، وقوله: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا}[يونس: ٩٩]، وقوله: {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ}[محمد: ٤]، يريد: أنه يفترض على المؤمنين جهاد الكافرين.
  ومثل هذه الآيات كثير في القرآن، يخبرنا ø أنه لو شاء فِعلَ ذلك الذي سمينا: قسراً وجبراً، ولو فعله لم تقم له قائمة، ولم يعجزه شيء، ولم يقْوَ على أمره، ولم يعانده معاند، ولم يحُلْ دون إرادته حائل، إذ هو ø الذي لو أراد أن يُفني جميع من تحت أديم السماء بذرّة من هذه الذر، لأهلكهم كلهم جميعاً في أسرع من لمح البصر، إلا أنه ø أمر تخييراً، ونهى تحذيراً، فلم يُطع كرهاً، ولم يعص مغلوباً.
  وهذه الآيات إنما دلّ بها على أنّ فَعلَ من فَعلَ ظلماً، وعصى الرسل، وخالف الكتب، لم يكن ذلك عن عجز ولا غلبة، ولا أن مُراد إبليس الضعيف الذليل، غلب مرادَ الله القوي العزيز، ولا أنّا قلنا ذلك ولا جهلناه كما جهلت الحق.
  ولكنه لما كان التخيير صار إلى إرادة إبليس من جنوده وأوليائه مَن أحبّه وقال مثله، وهم أنتم ومن أشبهكم من العاصين.