[شبهة في قوله، {أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم}]
  وأما الآية التي ذكرناها قبل هذا الموضع، التي قال فيها ø: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ١٣}[السجدة]، فتفسير قوله: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ١٣}، فهذه الآية من أحكام الآخرة، وليست من أحكام الدنيا. وشاهد ذلك الواضح، قوله ø في آخر الآية: {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ١٤}[السجدة]، (أفتراه قال ø: {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ١٤}). وأنت وإخوانك المجبرة تلزمونه ذنوبهم، وخلق أفعالهم، وإرادة الكفر منهم، وأنه لم يرد - زعمت - منهم أن يؤمنوا فيبطل علمه، ونسبت ترغيبه لهم في التوبة والرجوع إلى الحق، فهربت من أمر، ووقعت في أعظم منه، ولو كنت نظرت في باب العلم نظراً شافياً، لعلمت أن الله ø ليس لأجل العلم أثاب ولا عاقب، ولا خلق جنة ولا ناراً، ولا أرسل الرسل ولا أنزل الكتب، ولا حذر ولا أنذر، ولا أعذر ولا بشَّر، ولا عنه سأل، ولا به أخذ، ولا أنزل فيه قرآنا ولا حجة مع نبي، ولا تجد في العلم حجة توجب لك أن العلم حائل بين العباد وبين الطاعة، أبداً ما بقي الدهر.
  فاعزل العلم من فريتك على الله ø ناحية، فقد هلكت وأهلكت مَن أخذ عنك، وتعلّم منك، وقلدك أمر دينه، وأذهل عقله، فلا يبعد الله إلا من ظلم، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ٢٢٧}[الشعراء].