[هل أراد الله أن يؤمن الناس جميعا]
  عليك ترك الذنوب والخروج منها، وليس في إبطال الذنوب والخروج منها أبطال العلم، ولا الخروج منه، فاستفدْ هذه الحجة في هذا الموضع الذي جهلته، واعرفْ أين هلكت.
  وقد يدخل في قولك أن الله ø قد افترض على العباد أن يجاوزوا علمه وأن يبطلوه، وهذا كفر با افترض الله على العباد، وإنما أمرهم الله ø أن يخرجوا من قبيح ما يعلم، إلى أحسن ما يعلم، ففي أي ذلك ما تقلبوا فهو بعلمه، وفي علمه يتقلب الخلق، لا يُدخِلهم علمه ø في طاعة، ولا يخرجهم من معصية، وإنما أدخلهم وأخرجهم بالأمر والنهي لا غير ذلك، وليس لهم على الله جل ثناؤه حجة في علمه بذنوبهم، ولا لهم في ذلك فرج ولا نجاة ولا راحة. والأمر الذي هو لازم لهم ومفروض عليهم، أن يخرجوا من قبيح ما يعلم من فعلهم، إلى أحسن ما يعلم من فعلهم، وقد جعلهم الله المستطيعين لذلك، ودعاهم إليه، وافترضه عليهم، ولم يكن ø ليدعوهم إلى أمر يفترضه عليهم، ويُعِدُّ لهم على تركه النار، وهو يعلم أنهم لا يقدرون عليه، ø عن ذلك وتعالى، وبذلك قامت عليهم الحجة، لما جعلهم مستطيعين لقبول دينه، وقد علم الله ø أن فرعون بعد قيام الحجة عليه، وإتيان موسي صلى الله عليه بالبراهين والحكمة البالغة، أنه يختار الكفر على الإيمان، وأنه يكفر ولا يؤمن، باتباعه للهوي، واستطاعته المركبة فيه والتخيير فيها، لا بالصدّ من ربه، ولا أمرٍ حال بينه وبين الإجابة لموسى صلى الله عليه، مع أن لنا في فرعون حجةٌ قوية قاطعة، لا يقدر أحد لها على نقض، وأنه قد آمن حيث أراد الإيمان، ورأى العذاب عياناً، فلم ينفعه ذلك