مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[شبهة في قوله، {إنما نملي لهم ليزدادوا إثما}]

صفحة 312 - الجزء 1

  هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ٣}⁣[الإنسان].

  فاسمع أيها المغرور في دينه إلى قوله ø: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ٣}.

  فأخبر ø أنه قد هدى الخلق كلهم جميعا، الشاكر منهم والكافر، وامتَنَّ عليهم بالتعريف والدعاء إلى الحق، والبيان والرسل والكتب، فبدأهم بالهداية والمنة العظيمة، والنعمة الجليلة، والإحسان والتفضل، الذي لا يبلغ له غاية. وأخبر أنه هداهم السبيل، ولم يجبرهم على المعاصي.

  وكفى بهذه الآية برهانا وعدلا! لو كان لها من يقبلها، أو يقبل ما فيها من العدل، ونفي الجور عن الله ø، والبراءة له من أنه أراد أن يملي لهم، لتكون المعصية منهم، ليزدادو كفرا به - زعمتَ - وأسقطتَ قوله ø: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}⁣[النساء: ١٦٥]، وقوله ø: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ١٥}⁣[الإسراء]، وقوله: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}⁣[الشوري: ٣٠]، وقوله: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ}⁣[البقرة: ١٠٩]، ولم يقل: من عنده، وقوله: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}⁣[البقرة: ١٨٥] وقوله: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ٤٣ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ٤٤}⁣[طه]، وقوله: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ٢٤}⁣[البقرة].

  مع آيات تكثر وتجلّ، فهذا كله يلزمك إن قلت: إن الله أملى لهم قسراً وجبراً وعمداً، لتكون المعصية منهم.