[شبهة في قوله، {إنما نملي لهم ليزدادوا إثما}]
  وإن قلت: إن إملاء الشيطان لهم قسر وجبر وإكراه، لزمك أن الشيطان له من المقدرة والقوة والسلطان على جبر العباد، مثل ما الله ø، أَكْذَبَكَ الله جل ثناؤه، حيث يقول يحكي عن الشيطان واحتجاجه عليهم يوم القيامة: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ٢٢}[إبراهيم]. ولم يقل: فلا تلوموا أنفسكم ولوموني، وقوله: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ٧٦}[النساء]، وقوله: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ١٦}[الحشر]، فلا تجده في هذه الآية فعل شيئا غير القول والدعاء إلى الكفر، قال الله ø: {فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ١٧}[الحشر]، ولم يقل: إنه شريك في ذلك الظلم، ولا بمريد له، عزّ عن ذلك رب العالمين!
  وإن قلت: إن إملاء الشيطان لهم إنما هو خديعة واستمالة للدنيا والشهوات، والترغيب في الفواحش، والتزيين للمعاصي، لزمك أنك إن قلت: إن الله ø يفعل بهم ذلك من الخديعة والدعاء إلى الشهوات، والترغيب في الفواحش، والتزيين للمعاصي، أن ليس بين إضلال الله ø لخلقه، وبين إضلال الشيطان فرق بوجه من الوجوه!
  وإن قلت: بل إضلال الله لهم هو الجبر على المعاصي، لزمك من تكذيب القرآن لك ما قد قلنا. فاختر أي هذه الوجوه شئت، فلا فرج لك ولا راحة ولا مخرج في أيها قلت به، إلا أن تقول: إن إملاء الشيطان لهم غرور يغرّهم به، وخديعة وتزيين فيلزمك أنهم أُتُوا في كفرهم من قِبَل أنفسهم، ومن قِبَل الشيطان، وأنهم لم يُؤتَوا في ذنوبهم من قِبَل الله ø بوجه من جميع الوجوه كلها، ولا بسبب من جميع