مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[شبهة في قوله: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس}]

صفحة 315 - الجزء 1

[شبهة في قوله: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ}]

  ومن الحجة لنا في الإملاء أيضا، قوله ø: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ}⁣[الأعراف: ١٧٩]، وهذه الآية ما يتعلق بها المجبرة على أهل العدل، وإنما معناها مثل الإملاء أيضاً.

  ألا ترى كيف قال ø بعد ما أخبر أنه ذرأهم لجهنم، فوصف لأي علة صيرهم ذرءًا لجهنم، فقال: {لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ١٧٩}⁣[الأعراف]، يعني ø: أنهم اختاروا ذلك كله، ولم يستعملوا الجوارح التي خلقها لهم في طاعته، ولم يصغوا بها إلى كتبه ورسله، فاستحقوا بذلك أنه صيرهم في حكمه وعدله ذرءًا لجهنم، لا أنه صيرهم ذرءًا لجهنم جبراً ولا قسراً ولا حتماً، ولا على غير جرم ولا ذنب، ولا على غير استحقاق لزمهم به الخلود في النار، عز عن ذلك! وإنما أخبر ø بِصُيُورة أمرهم إلى ما يؤول، وذلك جائز في لغة العرب، أن يخبر الرجل با يعلم أن إليه يصير الأمر الذي قد عرفه وأيقن به أنه سوف يكون كذلك، قال الشاعر في نحو ذلك:

  اموالنا لذوي الميراثِ نجمعُها ... ودورنا لخراب الدهر نبنيها

  وليس جمعه للأموال ولا بناؤه للدور على عمد منه وقصد أن يجعله للورثة، وربما كان الورثة أبغض الخلق إليه، وإنما أخبر بما علم أن المصير إليه، من جمع المال وعمارة الديار، إذ لا يبقى على الأرض مطيع ولا عاص، فأخبر عن علمه بما تصير إليه الأمور، وكذلك أخبر الله ø عن هؤلاء أنهم سيصبرون ذرءًا لجهنم با قدموا واستحقوا.