[شبهة في قوله: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس}]
  قال آخر:
  وللموت تغدُو الوالداتُ سخالها ... كما لخِراب الدهر تُبنى المساكنُ
  والوالدت ليس يُغَذِّينَ سخالهن للموت لا محالة، ولا للخراب تُبني المساكن قصداً لذلك من الغاذين للأولاد، ولا من العامرين للديار، وإنما أخبر بعلمه إلى ما يصير إليه ذلك كله. فجاز هذا في اللغة العربية، وإنما وقع أكثر الجبر في هذه المجبرة لجهلهم بتصاريف اللغة العريبة، وعميق بحارها، وشرف قدرها، فلما لم يعلموا حقائق اللغة العربية قالوا بالجبر، وألحدوا في صفة الله جل ثناؤه، وفارقوا أهل الحق، وتركوا القول بالعدل، فتوارث ذلك قوم عن قوم، وقلدوا فيه الكبراء، وصار عندهم ديناً يُدانُ به، مَن خالفه عندهم فقد كفر وفارق السنة والجماعة. فعلى هذا كان العمل في الأوائل، والله المستعان، وإياه نسأل أن يُعزّ دينه، وينتصر لكتابه، إنه قوي عزيز!
  ومن ذلك قوله ø: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا}[القصص: ٨]، أفترى أن آل فرعون التقطوا موسى ليكون لهم عدوًّا وحزناً؟! معاذ الله ما كان ذلك! ولا التقطوه إلا ليكون لهم وَليًّا وعضداً وولداً، فأخبر الله ø عن آخر أمره لهم ما يكون، وأنه يصير لهم عدوا وحزنا، مثل قوله: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ}[الأعراف: ١٧٩]، لعلمه بآخر أمرهم إلى ما يؤول، فأخبر ø عن العاقبة، وعلى أن التقديم والتأخير جائز في القرآن في مواضع كثيرة، والحمد لله رب العالمين.
  ومن الحجة لنا عليك في نقض الإملاء الذي ادّعيت فيه الجبر، ما جاء في