[شبهة في قوله: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس}]
  قال الشاعر:
  وكلُّ أخٍ مفارقُةُ أخوهُ ... لعمرُ أبيكَ إلا الفرقَدَانِ
  فجعل (لا) بدلاَ من الواو، والمعنى فيه: وكل أخ مفارقه أخوه لعمر أبيك. والفرقدان أيضاً يفترقان، لأنه لا بد من فراق الفرقدين، ولو كان الشاعر عني أن كل أخٍ يفارق أخاه إلا الفرقدين، أي: أنهما لا يفترقان، لأوجب بذلك أن الدنيا لا تزول أبداً، وصار إلى قول الدهرية، وإن الفرقدين لا يفترقان أبداً، فيكون هذا كفرا من قائله، وجحوداً للوحدانية، ومجيء الآخرة وقيام الساعة، فأدخل (لا) صلة للكلام، وهو لا يريدها إلا لقوام اللغة وما فيها من العجائب.
  وقوله: {وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ}[الأنبياء: ٣١]، فيقول القائل: هذا يوجب أن تميد بهم، فيقال: إنما المعنى فهي: وجعل فيها رواسي أن لا تميد بهم، كقوله: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا}[النساء: ١٧٦]، يريد: يبين الله لكم أن لا تضلوا، فأسقط (لا) من الكلام.
  قال عمرو بن كلثوم الشاعر:
  نزلتم منزل الأضياف منا ... فعجَّلنا القِرى أن تشتمونا
  فطرح (لا) من الكلام وإياها أراد، لأن المعنى فيه: أن لا تشتمونا.
  وقال آخر:
  ونركبُ خيلاً لا هوادَةَ بينها ... وتسعى الرماحُ بالضياطِرة الحُمر