[هل أمر الله فرعون بالايان]
  وإن قالوا: نعم، قد أمره الله بالإيمان.
  فقل لهم: أمره الله أن يكون منه من الإيمان ما قد علم أنه لا يفعله ابدا، فالله ø بزعمكم، وفي قَوَد قولكم، ينهى عن الإيمان وليس يأمر به.
  وإن قالوا: بلى، قد أمر به ليكون من فرعون من الإيمان ما قد علم الله سبحانه أنه لا يكون منه، ليكون ذلك، لزمهم ووجب عليهم في قولهم أن الله ø أمر فرعون أن يجهّله بزعمهم، إذ أمره أن يكون منه غير ما يعلم، وقد علم الله أنه سيجعل فرعون مستطيعاً لترك ما نهاه عنه، وقبول ما أمره به، وقد علم الله سبحانه أنه لن يكون منه إلا ما علم أنه جعله مستطيعاً لتركه، وجعل له الغني عنه، والقوة على تركه، كما قد علم أنه لا يكون منه من الإيمان ما قد جعله مستطيعاً لأخذه، وجعل له إليه الاستطاعة والسبيل، وعن غيره السعة والفسحة والمندوحة، ولم يَنهَه عن المعصية إلا لئلا تكون منه، ولم يأمره بالطاعة إلا لتكون منه الطاعة، وليس العلم بحائلٍ بينه وبين اتباع موسي ~، والقبول لما جاء به.
  وقد قال الله جل ثناؤه في كتابه المحكم: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}[الأنفال]. وقد علم ø أن الفتنة سوف تكون باختيارهم، كذلك قال لجميع الخلق: ليكن منكم الإيمان ولا يكن منكم الكفر، فقد علم الله ø ما العباد عاملون، وما هم إليه صائرون، باختبارهم واتباع أهوائهم، لا بقضائه عليهم، ولا بتقديره لمعاصيهم، ولا بخلقه لفعلهم، إذاً لم يُجْز في حكمته ولا في عدله، ولا في صدقه ولا في حقائق أمره، ولا في واضح كتابه، أن يقول: {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا}[السجدة: ١٤]، ويقول: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ١٧}[السجدة]، ويقول: {لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ}[المائدة: ٨٠]،