[شبهة في قوله: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس}]
  فكل ما ذكرنا واستشهدنا من القرآن والحجج القواطع، يدل ويشهد على أنه لا يريد لهم أن يزدادوا إثما، وإنما يريد أن يتوبوا ويرجعوا إلى الحق، ويطيعوا الرسول، ويدخلوا كلهم الجنة، والحمد لله رب العالمين.
  فإن قال قائل: إن أول الآية يوجب الجبر، وذلك قوله: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ}[آل عمران: ١٧٨]. فتراه لم يُملِ لهم لَمِا هو خير لهم.
  قلنا له: إن اللغة العربية واسعة على أهلها، ضيقة على من جهلها، وإنما المعنى في أول هذه الآية: أنه ø أخبر نبيه صلى الله عليه أن تأنيه بهم وكثرة إملائه لهم لا يرجعون فيه إلى حق، ولا يكفّون فيه عن ظلم، ولا يقصرون فيه عن كشف ستر عن أنفسهم، فصار ذلك الإملاء لا خير لهم فيه، بل هو شر لهم، لما قصروا في طلب النجاة في مدة ذلك الإملاء الذي أمهلهم فيه، وأنسأ في آجالهم، وأحسن لهم النظر، وتفضّل عليهم بالإملاء، فلم يقلعوا عن الخطايا، ولم يبادروا بالتوبة، ولم يزدادوا إلا تمادياً في الغي والضلال، فصار ذلك الإملاء شراً لهم ووبالاً عليهم.
  وليس ذلك من قبل الله ø، كيف يجوز ذلك وهو أرحم الراحمين، وأعدل الحاكمين، وأكرم الأكرمين؟! بل كيف يجوز على من وصف نفسه بأنه أرحم الراحمين أن يملي لخلقه ليكونوا آثمين، وعن طاعته صادّين؟!
  هذا ما لا يجوز على رب العالمين! لأنه ø لا يبتدئ أحداً من جميع خلقه بشر ولا ضر، ولا صد ولا ظلم، ولا إغواء ولا بلاء، ولا إملاء ليزدادوا إثما.
  وشاهدُ ذلك قوله ø: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ