مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[شبهة خلق الله للأعضاء التي يعصي بها الانسان]

صفحة 7 - الجزء 2

  بِاللَّهِ}⁣[البقرة: ة ٢٦٤]، وقوله: {ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى}⁣[البقرة: ٢٦٢]، وقال: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ٤٤}⁣[البقرة]، فكيف يدخل فيما عاب؟!

  وبالله إني لأظن أن هذا السائل لنا، والواضع لهذه البلايا دسيس من الزنادقة، لأن هذا قول عظيم مأخوذ من الشرك، ألم يسمع هذا القائل إلى احتجاج الله ø على خلقه في الأسماع والأبصار، وما وهب لهم من الجوارح، وافترض عليهم أن يستعملوها في طاعته، كا خلقها لذلك لا لغيره من المعصية، فقال: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ٨ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ ٩ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ١٠ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ١١}⁣[البلد]. أي: ما منعه من اقتحام العقبة، وقد تفضلنا عليه بهذه الأسماع والأبصار والجوارح؟!

  ولو كان الله ø إنما خلقها فيهم، وأنعم عليهم بها عمداً ليعصوه بها، وليكفروا بها، وليقتلوا رسله وأولياءه من العالمين بتلك الجوارح، للزمك هاهنا أنه قد دخل فيما عاب، وفعل ما عنه نهى، وقدّر ما منه حذّر، بعدما أخبر أنه كريم، وأنه متفضل عادل.

  مع قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}⁣[الأنفال: ٥٣]، وهذه الآية وحدها كافية لنا في الاحتجاج عليك، إذ أخبرنا الله ø أنه لا يغير نعمة أنعمها على قوم حتى يكون التغيير والابتداء بالظلم منهم. وقوله ø: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}⁣[يونس: ٥٨]، فكيف يفرح أحد من الخلق بمنه وفضل وإحسان، يورث ذلك الفضل والمنة