مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[شبهة خلق الله للأعضاء التي يعصي بها الانسان]

صفحة 9 - الجزء 2

  فكان غضبه عز وتعالى وعقابه التخليد في ناره، لما صرفوا تلك المنة العظيمة، والعطية الهنية، والمواهب السنية، في اتباع الهوى، والاختبار منهم لمعاصيه على طاعته، والكفر به، واتخاذ الشركاء والأنداد معه، والادعاء معه الصواحب والأولاد، وقتل الرسل والأئمة $ وتكذيبهم، وقتل الذين يأمرون بالقسط من الناس، ورفض الكتب واتباع الهوى، وجميع المعاصي واللذات، والقول بالجبر والإلحاد، كا قلتم!

  فقال فيهم جميعا: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ٢٨ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ ٢٩}⁣[إبراهيم]، ففعلوا جميع ما ذكرنا بأهوائهم غير مجبورين، واخترعوه بإرادتهم، فلم يكن لهم عليه حجة في فعلهم، ولا تباعة في كفرهم، ولا مقالة في شركهم. بل المنة له عليهم فيما وهب لهم من جوارحهم، فهي فعله لا فعلهم، ولذلك لم يسألهم عن فعله الذي فعل، من الأسماع والابصار والجوارح، وقال في كتابه: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ٢٣}⁣[الأنبياء]. ولو كان فعلهم هو فعله، لم يقل: {وَهُمْ يُسْأَلُونَ ٢٣}!

  فعمّ يسألون إذا كان الفعل كله فعله؟! والزنا والخنا)، والفواحش والردى، والكفر والشرك، وجميع المعاصي كلها، التي ذكرت أنهم نالوها بمنة الله وبفضله، ولولا منته وفضله - زعمت - ما كفروا ولا أشركوا!

  وبالله العظيم لو قال هذا القول الزنادقة على شركهم لكان عظيما، فكيف من زعم أنه ينتحل التوحيد؟!

  والجوارح والحواس هي فعل الله ø ومنته، والمعاصي فهي فعل العاصين واختيارهم، وليس يلزمه ø فعلهم، لأنه ø قد أمرهم أن يستعملوا