[شبهة خلق الله للأعضاء التي يعصي بها الانسان]
  تلك المنة التي وهب لهم في الطاعة لا في المعصية، وجعل لهم السبيل إلى ذلك، وأقدرهم عليه، ولم يحُل بينهم وبين الرشد بأمر من جميع الأمور كلها، وبين لهم وحذر، وأعذر وأنذر، فاختاروا لأنفسهم ما أرادوا من طاعة أو معصية، واستعانوا بتلك المنة التي امتن بها من الجوارح على ما نهوا عنه. فاستعانوا بنعم الله ø على معاصيه، وصرفوها في غير الوجه الذي له خُلقوا، وبه أُمروا، وله إياها أُعظوا، وأدبروا من غير غلبة الله ø ولا ضعف، بل أمر تخييراً، ونهى تحذيراً، فلم يُطع مكرها، ولم يُعص مغلوباً.
  وكذلك المؤمنون استعملوا منة الله سبحانه التي أمتن بها عليهم من الجوارح في رضاه وطاعته، فأنجحوا وأفلحوا، غير مجبورين ولا مكرهين.
  ومثل ما قد ذكرنا فيما احتججنا به عليك، في أنه لا حجة على الله سبحانه فيما وهب لهم من الأسماع والأبصار والجوارح، بل له المنة عليهم والحجة، فمثل ذلك انا نسألك فنقول لك: أخبرنا عن رجل دفع إليه رسول الله ~ سيفا جيداً، نفيساً صارماً، وقال له: خذ هذا السيف ثم اذهب فقاتل به بين يدي من خالفني من المشركين، وجاهد به في سبيل الله مع المجاهدين، واحذر أن تحارب به المؤمنين، ولا تقتل به المسلمين، فأعاقبك العقوبة الموجعة.
  فأخذ ذلك الرجل السيف ومضى به حتى صار به إلى مكة، واستأمن إلى أبي جهل بن هشام لعنة الله عليه وخرج معه، حتى سار يوم بدر في حرب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، فلقي النبي صلى الله عليه واله ومن معه من المؤمنين، فوضع ذلك السيف في رؤوسهم وأبدانهم ضربة لا يألو قتلاً ولا قتالا!
  فقال له المؤمنون: ويحك يا فلان لا تفعل، أهكذا أمرك رسول الله صلى الله عليه واله وسلم