مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[شبهة خلق الله للأعضاء التي يعصي بها الانسان]

صفحة 16 - الجزء 2

  تقول: إن الأسماع والأبصار والألسنة والأيدي والأرجل إنما جعلها الله قوة في بني آدم، هكذا قلت في كتابك، وليس هي عندك رحمة ولا منة، لأن الرحمة والمنة - زعمت - ما نفع الناس، وهذا ما تقولون به - زعمت - قد دخلنا فيه.

  وحاش لله ما ندخل في هذا، لأنه لو قال هذا صبي مُخرَج من بلاد الحبش، لعظم التعجب منه لجهله، فكيف رجل يزعم أنه متكلم يناظر الرجال، ويقاوم - زعم - أهل العدل والتوحيد؟! هيهات غرق الجاهل في الطين!.

  ألا ترى أيها الجاهل أنك زعمت أن الأسماع والأبصار التي وهب الله لعباده وجميع الجوارح، لا يجب على قولك - أن تسمي: رحمة ولا منة من الله على خلقه، وإنما يجب - زعمت - أن تسمي: قوة ابتلاهم بها، لا رحمة ولا منة، لأن الرحمة - زعمت - والمنة ما نفع الناس.

  فأوجبت أيها الجاهل أن الأسماع والأبصار، والأيدي والأرجل، والألسنة وجميع الجوارح، غير نافعة لأهلها، وأنها ضرر عليهم. كيف والله جل ثناؤه يقول، ويمتن عليهم بأعظم المنة: {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ٧٨}⁣[النحل: ٧٨، السجدة: ٩، الملك: ٢٣]. فهل سمعت في لغة العرب أحداً يلوم أحداً على التقصير في الشكر على غير منة؟!

  وهل يكون الشكر إلا لمن أعظم المنة؟!

  مع ما لا نحصيه في غير موضع من القرآن يذكر الله ø فيه مثله على خلقه بآلة الأسماع والأبصار، وجميع الجوارح التي لا يؤدّون فيها شكره أبدا. وأنت فقد خرجت من المعقول مع خروجك من حكم الكتاب، فلا يبعد الله إلا من ظلم.

  وزعمت أن الأبصار والأساع ليست رحمة ولا منة من الله على خلقه، فأوجبت - على زعمك – أنه لا يجب أن يشكر الله على ما رزق من الحواس والجوارح، لأنه