[شبهة في الرزق]
  رزقه إياه لم يأمر به في كرمه وعدله أن تقطع يده، وفي موضع آخر إذا قطع الطريق وأخذ الأموال أن تقطع يده ورجله.
  أفهذه صفة الكريم العادل، الذي يرزق رزقا ثم ينغص ذلك الرزق ولا يهنئه صاحبه، ثم يقطع يد الذي رزقه ذلك الرزق؟! ولا يكون كرمه إلا دون كرم المخلوقين، لأنه لا يجوز في العقول، ولا في همم العرب ذوي الأخطار، أن يجودوا ويكرموا على أحد ثم يأمروا بقطع يده ورجله، جزاءً بما وهبوا له وقسموا وأعطوا!
  فالله أحق بالجود الهني، والعطاء السني، الذي لا يتبعه تنغيص ولا تكدير، لأنه أكرم الأكرمين، وإنه ø الذي يقول إيجابا على نفسه: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[الأنفال: ٥٣]. فهذه أكبر شاهد على أنه ø لا يرزق رزقا ثم يقطع يد من رزقه إياه، هو أكرم من ذلك وأعدل! وهذه شواهد القرآن قاهرة لحجتك، وشاهدة لنا عليك.
  وأما قولك يا عبد الله بن يزيد البغدادي إن قولنا في الأرزاق ما لا تقبله عقول أهل الألباب، وقلت: وكفاك أن توقف رجلا أن مع الله رازق غيره، فليس يقول ذلك أهل العدل والتوحيد، هم أجل خطراً وأعرف بعظمة الله ø ووحدانيته، من أن يقولوا إن مع الله جل ثناؤه رازقا غيره، غير أنك تشنع وتفتري الزور، وإنما قولنا: إن الله ø لا يرزق الحرام، وإن أخذ الحرام تعدى من أخذه، وقد نهى الله ø عنه.
  ألا ترى ويحك كيف قال: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ١٨٨}[البقرة].