[شبهة من ميز بين الكفر والايمان]
  وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ٩}[السجدة: ٩، الملك: ٢٣]. وكل جعلٍ في القرآن على وجهين، لا يوجد فيه وجه غير ما قلنا.
  فأحدهما: جعل حكم وتسمية.
  والآخر: جعلُ حتم وجبر وقسر لا مخرج منه.
  فأما قولك: من جعل الكفر غير الايمان، والايمان غير الكفر؟!
  فإن كنت تريد بذلك، من خلق الايمان غير الكفر، والكفر غير الايمان؟!
  فالكفار هم الذين خلقوا الكفر، أي: فعلوه وعملوه وصنعوه.
  والشاهد على ذلك أصدق شاهد وأعدله، قول الله ø: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا}[العنكبوت: ١٧]. إلا أن تردّ على الله ø وتكذب قوله، أو تقول ليس هذه الآية في القرآن، فما نعلم لك مخرجأ ولا محيصا تلجأ إليه إلا الجحدان، وقد قال الله ø في سورة براءة: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ}[التوبة: ٣]، فلا يقدر أحد من جميع الخلق كلهم أن يدعي أن الله ø بريء من خلقهم ولا من رزقهم، ولا من حياتهم ولا من موتهم، ولا أنه بريء من المشركين في وجه من جميع الوجوه كلها، بالصحة والحجة القاطعة، إلا من فعلهم، وإذا برئ من فعلهم، صح أن ليس له في فعلهم فعل بوجه من جميع الوجوه كلها، ولا سبب من جميع الأسباب كلها، وإلا فهاتوا حجة تدلنا على معنى آخر برئ الله منه غير أفعالهم كلها.
  وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله: «اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد بن الوليد». فإن كان فعل خالد بن الوليد هو فعل الله ø، أو لله فيه