مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[شبهة من ميز بين الكفر والايمان]

صفحة 46 - الجزء 2

  فعل بمقياس شعرة، لزم النبي صلى الله عليه وعلى اله أنه قد برئ من فعل الله لا ومن بريء من فعل من أفعال الله ولو صغر ذلك الفعل، لزمته البراءة من الله، ومن برئ من الله فقد كفر، ومن كفر فقد صار إلى النار، فقولوا في رسول الله صلى الله عليه وعلى اله ما شئتم. فلعمري لقد افتريتم على الله ø، فهو أجدر أن تفتروا عليه.

  وزعمت يا عبد الله بن يزيد البغدادي وأصحابك المجبرة: أن الله خلق فعل المشركين، وخَلقُه - زعمت - صُنعُه، فكيف يخلق خلقا ثم يتبرأ منه، أيجوز هذا في حكم عادل حكيم، لا، بل هل يجوز هذا على عابث جاهل؟!

  معاذ الله!

  أما إذا صدق نفسه، وأنصف عقله، علم ذلك الجاهل أنه إذا فعل فعلا، لم يصلح عند نفسه أن يتبرأ منه، وإذا لم يجُز في محكمة الحكيم الذي لا يظلم، أن يقول في كتابه: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}⁣[الروم: ٤١]! وكان الصواب والعدل والحق أن يقول: ظهر الفساد في البر والبحر بما صنعت وخلقت، وأردت وقدّرت من أفعالي بالناس، ولا يعنّفهم في أمر هو خلقه وأراده فإن في الناس من يميز عليه هذا الحكم.

  وقد حكي مثل ذلك من عيبه لهم، حيث قال: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى ١٣٤}⁣[طه]، فهذا دليل على العدل، وعلى أن الاستطاعة قبل الفعل.

  وقوله: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ}⁣[آل عمران: ١٨٢، الأنفال: ٥١]، وقوله: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ١٧}⁣[السجدة]. مع آيات كثيرة، في كل سورة تشهد