[شبهة من ميز بين الكفر والايمان]
  وكأنهم لم يقل لهم: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ٨٢}[النساء]، وقوله: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ٤٩ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ ٥٠ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ٥١}[المدثر].
  فلعمري إنهم عند تذكرة الحق، وحجج القرآن، لكالحمير النافرة من الأسد!
  والدليل على ذلك، أنك إذا أنظرتهم ببراهين القرآن هربوا من النظر، ورووا في الحديث أن أسلافهم وكبراءهم قالوا لهم لا تسمعوا القرآن من صاحب بدعة، وأهل العدل والتوحيد عندهم أصحاب البدع، فكيف يعرف القرآن أو يهتدي إلى عجائبه، والنير الشافي من حججه، من اعتقد هذا الجهل، ودان به من رواة الأحاديث؟! وجعله ديناً عليه يعمل، وبه يحتج، وترك قول الله ø: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}[النحل: ٨٩]، و {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام: ٣٨]، وقوله: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ}[العنكبوت: ٥١]، وقوله: {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ ٥}[القمر]، وقوله: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}[الإسراء: ٨٢]، وقوله: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ٤٢}[فصلت].
  فنعوذ بالله من الحيرة في دينه، والهجران لكتابه، والعنود عن حقه! إنه قوي عزيز.
  وليت شعري ما الفرق بين من روى هذا الحديث، وبين المشركين الذين كذبوا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله، وقالوا: {لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ٢٦}[فصلت].
  ثم قال عبد الله بن يزيد البغدادي: أوليس لو شاء العباد لصنعوا الكفر إيمانا، والايمان كفرا، لأنه إنما هو صنعُهم وجعلُهم، وتحسينهم وتقبيحهم، والله لم يصنع ذلك. يضيف إلينا أن هذا قولنا - زعم - وقد كرر كلامه في هذا الموضع من كتابه،