مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[شبهة من ميز بين الكفر والايمان]

صفحة 69 - الجزء 2

  وأئمة الهدى، وإتيان الأمهات والأخوات والبنات، وأنه أراده - زعمتم - وخلقه وقدّره، ثم غضب منه أشد الغضب، وأعد العذاب الأليم لفاعله، وذمه في كتبه، وعلى ألسنة رسله، وتبرأ منه، ونسبه إلى قوم براء مما خلق، فقال في كتابه: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا}⁣[العنكبوت: ١٧]، وقال لهم: {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ}⁣[البقرة: ٦١]، وقال لهم: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ}⁣[المائدة: ٧٣]، و {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ}⁣[النجم: ٢٣]، وقوله: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى ٢٣}⁣[النجم]، ثم قال: {وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ٧٣}⁣[المائدة]. فكيف ينتهون عن أمر أراده منهم وقضاه عليهم، وخلقه من فعلهم؟!

  ثم قال: {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ}⁣[المائدة: ٧٤]، فمما يتوبون أيها الجاهل المغرور؟! ومما يستغفرون؟! أمن فعله، أم من فعلهم، وهو القائل ø: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}⁣[النساء: ١٦٥]؟!

  فأي حجة أقوى - ويحك - من أن يقولوا له يوم القيامة، ويحتجوا عليه - على قَوَد قولك - لو تركتنا يا ربنا من خلق الكفر فينا، وإرادتك له منا، وتقديرك له علينا، لسلمنا من نارك وعذابك المقيم، الذي لا فكاك منه أبدا، وقد أخبرتنا في كتابك أنك العدل الرحيم، الذي لا يجور ولا يظلم، وأنك حسن الفعال.

  فأخبرنا يا عبد الله بن يزيد البغدادي لِمَ يعذبهم وقد صدقوا في حجتهم عليه - في زعمك وعلى قولك - إن هذه الصفات كلها صفته، وإن ما حل بهم إنما هو من إرادته وفعله وخلقه، وإنه لولا إرادته ما هلكوا ولا خرجوا من طاعة؟!

  فحسبك بهذا العمى عمى، وحسبك بهذا الجهل جهلا، وحسبك بهذا الكفر كفرا!