[شبهة من ميز بين الكفر والايمان]
  فإن قال قوم: إنا مستغنون عن الله ø، لا نحتاج إلى الله ø في طاعة، ولا أن يكفّنا عن حرمة، ولم يكفّ عنها خلقا، ولم يلطف ليوسف حين قال: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}[يوسف: ٢٤]، وأشباه هذا. فإن أبوا إلا أن يتهادوا فوقِّهم على أنهم لا يحتاجون إلى الله ø، وأنهم مستغنون عن الله، وسينقطع هذا الكلام حتى لا يجيبوك.
  الجواب قال أحمد بن يحيي ª: أعلم أنك قد أكثرت التكرار في هذا الباب، وذلك لما عندك من الغي والجهل بالدين، وكلمة من هذا الذي هذيت به تجزي، وقد أجبت نفسك عنا ببعض قولنا، ولم تكن أحسنت تحتج فيه فتكسره، من أن العون عونان لا غيرهما، عون الدعوة إلى الحق والدلالة لنا عليه.
  وعون الله ø لنا بالأسماع والأبصار، والاستطاعة المركبة قبل الفعل، والألسنة وجميع الجوارح، والصحة والعافية في الأبدان.
  فهذه هي عون الله ø الذي أعاننا به، وتفضل به علينا.
  ولا غني بنا عنه في شيء من ذلك، ولا قوام لنا طرفة عين إلا به، ولا سبيل لك إلى وجود عون غيره، إلا ما ادعيت من الجبر الذي خالفت به القرآن، وافتريت به على الرحمن، وليس عون الله ø للعباد شيئا غير ما ذكرنا، إلا أن تدعي كما ادعيت أن الله - ø عما تسندون إليه - أعانهم على فرائضهم، فقام ببعضها عنهم، فصلى عنهم بعض الصلوات عند اشتغالهم، وصام عنهم بعض شهر رمضان إذا عطشوا أو جاعوا، أو حج عنهم إذا كسلوا عن الحج وتوانوا، وقاتل المشركين دونهم إذا لزموا بيوتهم، وتخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وعلىآله، أو عن إمام هدى، فيكون ذلك كما قال المضلون الظالمون من قبلكم: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ٢٤}[المائدة]. فإن كان ما قلت حقا من العون، (فهذا لعمرك عون ثالث، لا نعرف عونا بعدما ذكرنا غيره.