[شبهة من ميز بين الكفر والايمان]
  خلق عملهم، فخلق الطاعة والمعصية عملا من العباد، وكذلك كل شيء صنعه العباد وعملوه، فالله خالق عملهم عملا منهم.
  واعلم أنه ليس كلام تكلم به أهل القبلة من الجور أقرب إلى الزندقة، من قولهم: إن الله لم يخلق أفعال العباد، فهو إذاً لم يُضحك ولم يُبكِ، ولم يجعل اختلاف الألسنة، ولا خلق السرابيل، لأن خلق الألسنة لم يختلف، وإنما اختلفت اللغات، وإنما كتبت هذه المسألة لتعرف ما يدخل عليهم في هذا الكلام، فأحسن النظر ولا تعجل.
  واعلم أنهم إن قادوا كلامهم على هذا، زعموا أن الله لم يخلق ثوبا، ولا سربالا، ولا نهرا، ولا ضحكا، ولا بكاءا، ولم يسق الله عطشانا، ولم يطعم الله جائعا، ولم يجعل الله كنانا من الجبال التي عملها العباد، ولا قسرا من السهل، وأشباه هذا الذي عملها العباد، ولم يخلق الله كفرا ولا إيمانا، ولم يجعل الله الايمان غير الكفر، ولا الكفر غير الإيمان، ولم يحسّن الله إيمانا، ولم يقبح كفرا، وإن ذلك كله عمله العباد وصنعوه، وحسّنوه وقبّحوه، ولم يحمل الله في ذلك ولم يجعله، وأشباه هذا فهو أكثر من أن نصفه لك.
  الجواب قال أحمد بن يحي ª: قد صح لنا أنك من القوم الذين قال الله جل ثناؤه فيهم: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ١٠٤}[الكهف]، قد فهمنا ما ذكرت من فريتك على الله - ø عما قلت - من أن الله خلق أفعال العباد، فخلق الكفر والايمان، والطاعة والمعصية عملا من العباد، ولم يفعل ذلك - زعمت - على وجه ما فعله العباد، فقد أجبناك على أشباه هذه المسألة في غير موضع.