مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[شبهة من ميز بين الكفر والايمان]

صفحة 84 - الجزء 2

  ومن جوابنا لك المسألة القاطعة التي سألناك فيها عن أيهما أفضل أفِعل الله الذي ليس للعباد فيه اكتساب ولا فعل، أم فعل الله الذي للعباد فيه اكتساب وفعل؟ وتلك حجة لا قوام لمجبر بعدها أبدا، ولا مخرج له منها، وهي قبل كلامنا هذا، فاستغنينا بها عن إعادتها.

  وأما قولك: إنه لم يتكلم أحد من أهل القبلة بجور أقرب إلى الزندقة، من قولنا هذا: إن الله لم يخلق أفعال العباد، فنحن نقول: إنه ليس قول أوسط في التعطيل والشرك والخروج من الاسلام جملة، من قولكم: إن الله خلق أفعال العباد، ثم غضب مما خلق وعذب على خلقه، فإذا نظرت في المسألة التي فوق هذا الكلام من هذا الكتاب الذي شرحناه، كان مثلك عند نظرك إليها مثل الرجل الذي ذكروا أنه أشرف على نخل البحرين، فلما رأي كثرته واتساعه وعظم شأنه، قال: امرأته طالق، ما على وجه الأرض نخل هو أكثر من هذا النخل! ثم سار أياما حتي أشرف على نخل البصرة، فلما نظر إليها وبان له كثرتها وعظم شأنها، وهول ما عاين منها، وأنها أكثر وأجل من النخل الذي حلف عليه، فلما خاف الحنث - زعم - في يمينه التي حلفها، قال عند ذلك: إن شاء الله، فهذا مثلك إذا نظرت في جوابنا في خلق الأفعال.

  وأما قولك: إنه يلزمنا أن الله ø لم يُضحك ولم يبك، ولم يجعل اختلاف الألسنة، ولا عمل السرابيل، فنحن نقول: إن الله جل ثناؤه خلق فينا الاستطاعة قبل الفعل، وفوضنا في الحركات بعد الأمر والنهي وحكم الكتاب، فإن شئنا قمنا، وإن شئنا قعدنا، وإن شئنا ضحكنا، وإن شئنا بكينا، وإن شئنا أمسكنا، وإن شئنا فجرنا، وإن شئنا أمسكنا عن الفجور، وإن شئنا آمنا، وإن شئنا كفرنا، وإن شئنا صلينا، وإن شئنا لم نصل، وإن شئنا صمنا، وإن شئنا لم نصم، ولذلك لزمتنا الحجة ووجب علينا الحكم من الثواب والعقاب والجنة والنار. شاهد ذلك قوله ø: {وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ٥٤}⁣[يس].