[شبهة من ميز بين الكفر والايمان]
  وأما قوله: {أَضْحَكَ وَأَبْكَى ٤٣}[النجم]، فإنما يعني بذلك: ما في الدنيا من العبر التي تُضحك وتبكي.
  ألا ترى أنه ø قال: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ٢١}[عبس]، وليس هو جل ثناؤه الذي يحفر قبور الموتى ولا يدفنهم. فعلى هذا القياس يخرج الإبكاء والإضحاك، لأن استطاعة البكاء والضحك موجودة في بني آدم من قبل الفعل.
  وقوله ø: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ٣ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ٤ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ٥}[العلق]، والله لم يَبرِ الأقلام، ولم يستمد بها من الدوى، ولم يخط بها في الألواح ولا في الصحف، وإنما هداهم إلى التعليم، وكذلك هداهم إلى صنعة الدروع وغيرها، ولم يصنعها هو دروعا، عز عن ذلك رب العالمين!
  وأما اختلاف الألسنة فهو الدلالة على كل لغة والتعريف بها، لا أنه خلق ذلك الكلام الذي قاله أهل اللغات، وقد جاء في الخبر أن لغة بني آدم افترقت على ثمانين لسانا، فلو خلق كلام المتكلمين، لكان الخالق لقول الكفار: إنه ثالث ثلاثة، ولو كان ذلك منه لم يجز في الحكمة ولا في العدل أن يخلق قولهم إنه ø ثالث ثلاثة، ثم يقول: {وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ٧٣}[المائدة]، ويلزمكم أنهم لو انتهوا عن قولهم: {إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ}[المائدة: ٧٣]، كان القول الآخر الذي صاروا إليه، وانتهوا فيه عن الأول هو خلق الله أيضا. فإذا هو ينهاهم عن خلقه ويحولهم إلى خلقه، وهذا هو المحال، والله ø لا يأمر بالمحال، ثم يغضب - زعمتم - من خلقه وتغضب السماوات والأرض والجبال، فيكدن أن ينشققن وينفطرن وينهددن من خلقه - زعمتم - ثم يخلد العباد في النار على خلقه وإرادته وتقديره، وهذه صفة أهل العبث واللعب، والتخليط والمجانين، وليس هذه صفة الحكيم الرحيم العادل، الذي لا خلل في حكمته، ولا عبث في تقديره، ولا حجة لأحد في صنعه وخلقه، عز عن ذلك ربنا وتعالى!