[شبهة من ميز بين الكفر والايمان]
  وقد سمعت كيف أخبر ø عن أمره لداود بصنعه للدروع، ولنبيه نوح صلى الله عليهما بعمل السفينة، وأنه لبث سنين كثيرة يعلمها، {وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ}[النحل: ٤٠]، من غير نجار ولا زرّاد، ولا حداد ولا صانع، فجعلت أنت أفعال العباد كلها فعلا لله تعالى، لجهلك بعدله وحسن تقديره، وأنه لا يعذب على صنعه، وعلى أمر اضطر العباد إليه، وقد أعلمنا أن الجعل في كتاب الله ø على وجهين:
  جعل حكم وتسمية.
  وجعلُ حتم لا مخرج منه.
  وقوله ø: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ ١٢}[الزخرف]، فذلك في الفلك خاصة جعلُ دلالة وتسمية، لا أنه نجرها ولا دسرها، ولا أنهم يركبون الفلك لا بد لهم من ركوبها حتما، إنما الأمر إليهم، إن شاؤوا ركبوها، وإن شاؤوا تركوها، تخييرا لا جبرا.
  وإنما أخبرهم بالنعمة فيما سخر لهم من العيدان، والدلالة على عمل النجارة والمسافرة على وجه الماء. فهذه نعم يجب أن تشكر ويُعترف لمن تفضل بها. وكذلك ما اعتللت به من العطشان والجائع والعاري، فالله ø الذي خلق الطعام والشراب، وأمر بالإحسان إلى الجياع والعطاش، ولم يطعمهم من طريق الضيافة والتلقيم، ولا حمل الكؤوس إلى أفواههم، ولا النسج لثياب العارين، وإنما أمر بالاحسان من بعضهم إلى بعض، وحض عليه، وقال: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}[البقرة: ٢٣٧]، فهذا إطعامه وفضله وكسوته ونعمته. وقال: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ