مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[شبهة هل كلف الله العباد أن يعلموا أنهم مخلوقون]

صفحة 137 - الجزء 2

  فإن جسرتم على أن تقولوا: إن الله خلق الإفك وغيره من جميع الظلم، لزمكم في ذلك خصلتان فاضحتان:

  أما واحدة: فيجب عليكم أن القرآن مختلف ويتناقض.

  والخصلة الأخرى: فيلزمكم أنكم جعلتم خالقكم في عداد الكذابين الذين يفعلون الإفك، ويلزمونه غيرهم ممن لم يفعله.

  فلا يزال الكلام يكرر عليكم أبدا، ويدخل - عليكم في التوحيد، وحكمة الحكيم، وعدل العادل - الفساد والوهن والخلل الذي لا بعده من العبث أبدا، حتى ترجعوا عن قولكم. وإلا بان كفركم، فتقروا أن الذي خلقوا الإفك هم العباد الذين لا طاقة لهم بخلق شيء من جميع الأشياء، إلا الإفك والمعاصي، وما أتوه من العدوان الذي اختاروه، وأنهم لا يقدرون على خلق شيء غير المعاصي التي هي فعلهم، ولو ارادوا خلق خردلة ما قدروا عليها، لأن ذلك ليس في قوتهم، وخلق الإفك وجميع المعاصي في قوتهم، وهم في ذلك مخيرون تخييرا.

  فأما أن يقدروا على خلق شيء غير ذلك، فيخرجوه من العدم إلى الوجود، فلا سبيل لهم إليه، والدليل على ذلك، قوله ø: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ٧٣ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ٧٤}⁣[الحج]، وإن الله جل ثناؤه هو الخالق القوي القادر، الذي يخترع الأشياء فيحدثها، ويخرجها من العدم إلى الوجود، فذلك الاختراع والابتداع لما لم يكن شيئا موجودا، وهو الخلق الذي خلقه الله ø، لا خالق له معه، ولا مشارك له فيه، ولا صانع له معه.