مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[شبهة هل كلف الله العباد أن يعلموا أنهم مخلوقون]

صفحة 138 - الجزء 2

  وأما اكتساب بني آدم، فذلك خلفهم الذي هو حركاتهم المتولدة من قواهم وقواهم هي الاستطاعة المركبة فيهم، التي لا يُسألون عنها ولا يعاقبون عليها، ولا عيب عليهم فيها، لأن ذلك فعله جل ثناؤه، الذي قال فيه: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ٢٣}⁣[الأنبياء]. وإنما عاب عليهم وعاقبهم، ولزمتهم له الحجة في الحركات التي اكتسبوا بها المعاصي، واختاروا ذلك الاكتساب باتباع الهوى، والأثرة العاجل الدنيا.

  وليس نجد نحن ولا أنتم هاهنا خلقا مخلوقا محاطا به خَلَقه العباد إلا حركاتهم، وليست تلك الحركات خلقا لله جل ثناؤه ولا فعلا، ولو كانت الحركات خلقه وفعله، لكان بالصحة الصحيحة الشاتم لنفسه، والمدعي لنفسه الأولاد والصواحب، والأنداد والشركاء والأضداد.

  ولو كان كما قلتم، لكان القاتل لرسله! والسافك لدمائهم! والواضع السيوف في رؤوسهم! والقاتل للأئمة الراشدين! والشهداء والصالحين والمؤمنين! ولكان الفاعل كل ظلم وكفر وجور في الأرض، مما كرهه ونهي عنه، وعابه وعنّف فاعليه، وأعد عليه النيران، والعذاب الأليم الذي لا انقطاع له، وجعل فيه من الأحكام في الدنيا من القتل والصلب، وقطع الأيدي والأرجل، وسائر الحدود، ما عظم فيه النكال، وجل عن كل مقال.

  {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ١٤}⁣[المؤمنون! ]! العدل الرؤوف الرحيم البريء مما قلتم، والمتعالي عما إليه أسندتم!

  أفيكون بهذا - ويحك يا عبد الله بن يزيد البغدادي - من النكال في الدنيا والآخرة، صفة من فعل شيئا بقوم وأراده منهم وخلقه من فعلهم؟! وسمى نفسه: